ولد الشاعر الكبير محمود حسن إسماعيل فى قرية النخيلة بمحافظة أسيوط يوليو 1910، وتلقى تعليمه الابتدائى والثانوى بين مدارس أسيوط والقاهرة، ثم لحق بكلية دار العلوم جامعة القاهرة وتخرّج منها عام 1936 حيث حصل على ليسانس العلوم العليا، وقد اكتسب ثقافة واسعة وأُتيح له من التجارب ما لم يتح لزملائه، فعمل أول ما عمل محرراً بالمجمع اللغوى، ولم يلبث أن انتقل مستشاراً ثقافياً بالإذاعة المصرية وعمل فيها عدة سنوات، سافر بعدها فى أواخر السبعينيات إلى الكويت بعد أن أُحِيلَ إلى التقاعد حيث عمل مدة سنتين أو ثلاثاً إلى أن توفى إلى رحمة الله بالكويت فى 25 نيسان سنة 1977م، فنقل جثمانه إلى مصر حيث دفن فى ثراها، وكانت مصر فى وجدانه طوال فترة غربته عنها.
وهناك عند الفجْر فى إشراقٍة كلظىَ الهجـِيرْ
وعلى خـُطى قمرّية الإيماض
يسْفح نُورها كذب الصخور
روض رحيب ، أجهشت فيه الزهور
وتكلمت بعطوره لغةُ الطيور
وتأوهت ريحُ مُجنحةُ المسير ، على مخاصرهِ تدور
وترنّمت ورقاء صاليةُ الشعور
معشوقتى وعشيقةُ النغم المصفدِ فى الوُكورْ
وذبيحتى ، وأنا الذبيحُ ، وجازرُ الرؤيـا أسير
مُتلفعُ تحت العروق ، بمهده الثمل الوثيرْ
فى كفه نهرُ الحياِة ،لهيبهُ قلقُ مرير
وعلى شواطئه هتافٌ لجّ فى ندم غرير
وصراعة بلهاء تصرخُ وهى هالعةُ النفير
وخطيئة تلدُ الحياةَ ،ومهدها يلدُ الدثُـور
وصدى يغردُ نائحا، وبدمعه يلغو السّرور
وغمامة عرجاء دوخها المسيرْ
آناً تسير وآنة تبكى المصير
والأفق مصلوب كسير
شحَنَتهُ أوهام العصورْ
ومسابحُ النساكِ وهى على مزالقها تدور
الكفُ مؤمنة ، وظلُ الكفّ مشنقةُ الضمير
وتمائمُ المتبتلينَ كأنها حرجُ الغواية فى الصدور
مسكينة الأصداء تلعقُ فى المداهنِ والبخور
وتئنّ فى حباتها الدعواتُ،
جائعة الهدى لزجاج كوبٍ أو حصير
متلمّظات للورود ،
على هوادج أخجلت خشب النذورْ
يتلفت الأزواد ، من عبقِ تناسم بالشرور
والنور ، من حلك تناغم فى الجذور
والُطهر، منِ شطحات أوهام وزور
وتعانق القُدّسَ المنيع ، كأنما سكن السّتور
بفهيق راغية محبّرة على زبد الثغور
ونفيق غاوية مبعثرة على خبل حسير
متُخالج اللمحات .. أعمى دُس فى ألق ضرير
طحنتهُ سُنبلةُ السيادة بالقشور
والرزق ، والعوز المخدر بالسكينة والحبور
ولواه جلابُ المطايا للغرور
ومضفر الأصلاب أعتابا مطهمة الظهور
أقواسها تئد السهامَ ، وتنشب العشب الحقير
وتحيلُ هشّ الوارفين ، مشاتلا لرُبى القصور
وعلى خضوع الهائمين بكفها تعلى الجسور
وتدور تطحنُ فى غيابتها ، فتطحنُ أو تدور!
سبحان وهاب الظلام لمن يريد بصيص نور
سحبوا من الأكفانِ قدرته ، ولجوا فى الثبور
وتأوّدوا خبباٍ ، وتهتهة ، وليًّا للصدور
فى حومة لا السماء ، ولا التراب
لدفّها نسبٌ يشير
زعموا لقاء الله وحدهمو ، وجلّ
فنوره غمر الدهور
فى الحب ،
فى الأمل المحلّق ،
فى الأجنّة ،فى البذور
فى الريح ،
فى النسيم المرنح ،
فى العشايا والبكور
فى الطيف ،
تلمحهُ ظلالُ ظلاِلهِ فوق الغَديـر
فى السّفح ،
فى ضجر المغاور ،
فى البرازخ ، فى البخور
فى كُلّ راقئ دمعة من جفن مظلوم فقير
فى كل كاسر حلْقّة ، من قيد مهجور أسير
فى كل رافض لُقمةٍ ، لليل ، جالبها أسير
فى كل واهب روحه غوث التراب المستجيرْ
فى كل ذات حركت عدمَ الفراغ إلى الصريرْ
فى خطوة القدم الذى هتك البراقع عن دجى القمر المنير
وحدَا السّديم ، وشق بين يديه أسرار الأثير
ومشى على الأجيال ، يسحق جهل عالمهاالضّرير
ويزيحُ ستر الغفل عن إعجاز خالقه القديـر
الدروب ضوّأ للسُراة
حقيقة ، وحصادَ نورْ
وهوى الدُجى ،
وتمزقت حجُب الرياء على الحضورْ
فالله يصحب كُلّ من صحِبَ النهار...
ومال عن غبشِ الستورْ