الحب العذرى، أو الأفلاطونى هو ذلك الشكل من الحب بين الجنسين القائم على إعلاء قيمة المشاعر الروحية على حساب الغزائز المادية ممثلة بالجنس، وقد اشتهر هذا النمط من علاقات الحب فى الأدب العالمى من خلال نماذج أصبحت مشهورة عالميا مثل قصص مجنون ليلى، وقيس ولبنى وغيرهما فى الأدب العربى، وروميو وجوليت عند شكسبير التى أصبحت قصة عالمية، وأصبح الاسمان نموذجا لقصص الحب العذرى.
الكاتبة الأردنية الشابة راما الرمحى تعيد زمن الحب العذرى فى روايتها الأولى " يا ليته يعلم" الصادرة عن الآن ناشرون وموزعون فى عمان.
الكاتبة، التى تقع روايتها فى حوالى مئتى صفحة من القطع المتوسط، أصرت أن تربط موضوعها عن الحب بالحرب، وكأن الكاتبة فى هذا المقام تود أن تشير إلى أن الحب هو بديل لكل المصائب التى تمر بها شعوبنا العربية.
قصة الحب تقع بين طالبة سورية مهاجرة وطالب عراقى يدرسان فى جامعة أردنية، مشاعر الحب العارمة فى قلب كل منهما تجاه الآخر تظل حبيسة صدرى المحبين حتى نهايات الرواية، لكنها تنتقل من أحدهما إلى الآخر، لا عبر التعبير المباشر، ولا حتى السلوك المباشر، بل عبر الحاسة السادسة، أو التواصل الروحى، يعرف القارئ عن هذه العلاقة من خلال السرد الروائى الذى تناوبت فيه الشخصيتان البوح، يتعرف القارئ من خلاله على حجم تلك المشاعر التى يكنها كل منهما للآخر، وما يعيقهما من الاعتراف لبعضهما بتلك المشاعر، هو المكابرة من جهة الفتاة الملتزمة دينيا، والمحافظة اجتماعيا بعض الشىء، والخجل من جهة الشاب، وتمر العلاقة فى مسيرتها ببعض المواقف التي تؤزمها، ومعظمها قائم على الغيرة الشديدة عند الفتاة، لكن الغيوم التي تكدر صفو العلاقة بين الحين والآخر سرعان ما تنجلى.
مشاعر الحب المتأججة عند الشابين تتفجر، تفرض على كل منهما تجاوز العقبات التى كانت تحول دون اقتراب كل منهما من الآخر، عندما تجمعهما صدفة رحلة علمية مشتركة إلى دولة أجنبية، تجعلهما يتواصلان مع بعضهما بشكل مباشر، وتنفضح مشاعر الحب النبيلة من خلال سلوك كل منهما تجاه الآخر من اهتمام واعتناء ببعضهما، يتجلى بعضها على شكل تضحيات تقوم بها الفتاة، عندما تجد الشاب الذى تحب يمر بأزمة نفسية، كادت أن تحول دون تخرجه من الجامعة بسبب عدم تقديمه تقرير تخرج نهائي، فتكتبه هى عنه وتقدمه من دون علمه، ليحصل به على علامة أعلى من علامتها.
علاقة الحب تلك تنتهى على خلاف علاقات الحب العذرى بالزواج، وهو ما جعل القصة تقليدية فى هذا الجانب.
الرواية التى كتب بصيغة ضمير المتكلم تارة وضمير المخاطب تارة أخرى، ومن خلال عبارات قصيرة متواترة، مفعمة بفيض المشاعر، تجعل قراءتها سهلة، وتدفع القارئ لملاحقة الأحداث، حتى الانتهاء من الرواية.
وهي تغترف من تجارب حب حقيقية يعيشها كثير من الشباب" المحافظين" أو الملتزمين دينيا، ورغم أن الكاتبة اختارت أن تكون الشخصيتان الرئيسيتان من بلدين عربيين، عاشا فترة عداء مستحكم بين نظاميهما، ويمران، في زمن الرواية، بظروف صعبة تتجلى بحروب محلية ودمار شمل الحجر، وروح الإنسان، وذاكرته، ومستقبله، إلا أن الكاتبة لم تذهب بعيدا في عرض أسباب الحرب، وأحوالها وانعكاساتها من هذه الناحية على شخصيّاتها وحياتهم، فقد اكتفت فقط بالحديث باقتضاب عن الجانب الإنساني في المآسي التي تسببها الحرب.
في مقدمتها كتبت الكاتبة تقول: أعتقد أن الكتابة عن الأشخاص طقس من طقوس الغباء، فالكتابة خلود بين السطور، والحروف أطول من الأحياء أعماراً.
لا نستطيع تخليد بشريٍّ تعصف به رياح الحياة، تُقلب مشاعره، تُبدِّل أفكاره، يمرُّ في فصولٍ انتقالية:
يشعّ كشمس الصيف تارةً، وينطفئ تارةً أخرى.
يُمطر خيراً، ثم يقسو ويجف كيومٍ ثلجيّ بارد لا يكترث لفقيرٍ يختبئ تحت سقفٍ متهاوٍ وجدرانٍ اكتستها الرطوبة وبابٍ لا يُغلق بإحكام.
يُزهر كالربيع.. ثم يتساقط كأوراق الخريف.
بشرٌ يتقلبُ عليه ليلٌ ونهارٌ في يومٍ واحد، أربعةُ فصولٍ في العام ذاته، بربكم أخبروني كيف يكون ثابتاً لنخلد شخصه في كتاب؟!
نحن نكتب موقفاً أثّر بنا، حدثاً غيّر تضاريس عقلنا، أو فكرة.
قد تجد أحدَ مبادئك بين سطوري، أفكارك، أو شيئاً مرّ بك
لكن لا تبحث عن ذاتك!"
ومما كتبته الكاتبة في الرواية، ويعكس روحها وأسلوبها:" كنتُ قد أخبرت أمي أنني سلَّمتُك قلبي، كانت تحاول استفزازي دوماً: سيعود إلى وطنه ويتزوج ابنة عمه، لا تُعلقي قلبكِ به، إنه حب فاشل.
وأنا أرضى بك ولو كنت مشروع حبٍّ فاشل، لم أذق طعم الفشل في حياتي، لتكن فشلي الأول.
كنت دائماً ما أسخر من مؤلف أغنية القيصر «أحبيني».
أحبيني لأسبوعٍ.. لأيامٍ.. لساعاتٍ.. فلست أنا الذي يهتم للأبد.
كنت أقول ما الحب إلا ديمومة واستقرار، وإن لم يكن، فليمت الحب ولتحيَ الديمومة.
تنازلت عن كل معتقداتي: أحبّني لثوانٍ إن شئت.
أكتفي بالقليل منك.. لكن قليلك لا يُقال له قليل.
كم يصبح العقل غبياً عندما يمتلئ القلب!"
يذكر أن الكاتبة راما الرمحي من مواليد مدينة عمّان سنة1996، وهي طالبة الصيدلة في جامعة العلوم التطبيقية في عمّان.