رحلة العلاج من معرض كبير كالسرطان، هى رحلة متعبة وشاقة أشبه بالمعارك، البعض قد يخرج فيها منتصرا بينما تكتب للآخرون النهاية، وبداية رحلة جديدة نحو المجهول، وهو ما حدث بالفعل مع الناقد والروائى الكبير سيد البحراوى، عبر كتابه "فى مديح الألم"، الصادر عن دار الثقافة الجديدة، والذى يحكى فيه تجربته مع مرض السرطان، قبل رحيله عن عالمنا أول أمس.
البحراوى فى كتابه تحدث مشاعره الأولى فى رحلة المرض، وكيف أعاد استكشاف نفسه ، والتعرف على نفسه من جديد، لكنه كان متنبها جيدا لعدد من الخصال الضرورية فى معركته مع المرض، حينما قال: "أحاول إعادة التعود على البيت خاصة أشيائى الحميمة: الأوراق والأقلام، للتأكد من أنها ما زالت موجودة وفى مكانها"، كما كشف عن ذلك أيضا بشكل أكثر عمقا عندما قال: "احتمال الموت يجعلك أكثر قدرة على مراقبة تمثيليات الأحياء لترتيب مستقبل حياتهم، وما فيها من سذاجة وطفولة".
كان بإمكان سيد البحراوى أن يحول المحنة إلى بكائية يستثير فيها عطف الجميع وبكاء الفتيات المراهقات، لكنه شاء أن يتحكم فى تجربته فاختلط كلامه بالعاطفة، بحديث شجى عن حب الورق وأقلام الحبر، عن الأسرة وتقاربها وتباعدها، عن العلاقة الإنسانية الأصيلة منها والزائفة، عن التلاميذ المخلصه منهم والجاحد، عن الأصدقاء الطيب منهم والشرير، عن التاريخ والحاضر والمستقبل.
الكتاب حديث عن الجامعة والمستشفيات والبلد والثورة والظروف الاقتصادية والجامعة العربية والمرحلة الانتقالية، عن العصافير وغرامها، عن الأخوة ومعانيها، عن الخير وصانعيه عن الإنسان بحزنه وفرحه.
ويبدو أن "البحراوى" غادر حياتنا ووداع دنيانا وهو فى حالة من الرضا النفسى، عما قدمه وعما تركه لنا من أعمال ومواقف بناءها الناقد الكبير فى حياته: "لست نادما على أى شىء فعلته فى حياتى، ومستعد دائما لتحمل النتائج".