امرأة قوية طموحة ذكية تثق من مكانتها وقدرتها، مكنت لها الظروف فمكنت لنفسها، هى حتشبسوت أعظم نساء عصرها، والتى نستعرض قصتها من خلال كتاب "ملكات مصر للدكتور" ممدوح الدماطى، وزير الآثار السابق، والصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.
حتشبسوت تزوجت من أخيها الملك تحتمس الثانى، ولقبت بالزوجة الملكية العظمى، وعند موته كانت الوصية على عرش ابنه الملك الطفل تجتمس الثالث، والذى كان عمره تسع سنوات آنذاك، فحكمت على جواره من "1479 إلى 1457 ق .م"، وتعد حتشبسوت من أهم ملوك مصر، تميز عصرها بالسلام والازدهار وتحسن قوة الجيش وتأمين الحدود المصرية وتوطيد وتنمية العلاقات والصلات الدبلوماسية والتجارية مع دول مصر المجاورة.
ويقول الدكتور ممدوح الدماطى، إنه طبقًا للتقاليد الدينية المصرية اعتبرت حتشبسوت، خارجة على الشرعية الدينية للحكم، إذ أن الملك الحاكم يجب أن يكون ذكرًا ممثلاً للمعبود حورس رب الملكية، حتى يمنح الشرعية الدينية والقبول لدى الشعب، لذا تطلب وضع حتشبسوت بعض معالجات سياسية دينية لتحمى جلوسها على العرش، خاصة انها بدات وصية على عرش الملك رسمى هو تحتمس الثالث، ونظرًا لكونه طفلاً صغيرًا، وكانت أمة إحدى محظيات الملك تحتمس الثانى، مع ذكاء حتشبسوت وطموحها للحكم، الذى ربما بدأت فى ممارسته فى فترة حكم اخيها وزوجها الضعيف تحتمس الثانى، هيات الظروف السياسية فى البيت الحاكم لها فرصة التربع على العرش والانفراد بالحكم حتى وإن كانت شراكة رسمية مع الملك الصغير.
وأوضح كتاب ملكات مصر، أن الملكة حتشبسوت لم تكن الابنة الشرعية لتحتمس الول فحسب، بل كانت أيضًا زوجة مقدسة لأمون، وهى وظيفة كهنوتية مهمة ظهرت مع بداية الأسرة الثامنة عشر، وكانت تشغلها عادة إحدى لنات الملك وإخواته.
طموح حتشبسوت ورغبتها فى الحكم مع صغر سن تحتمس الثالث، أعدت لها ظروفًا مناسبة مكنت لها الاستقلالية بالحكم، خاصة وانها كانت تشعر فى قرارة نفسها بأنها صاحبة الدم الملكى وصاحبة الحق فى ورثة العرش، ومع نهاية العام الثانى من حكم الملك الطفل تحتمس الثالث قامت حتشبسوت بتغيير وضعها من وصية على العرش إلى ملكة حاكمة بالمشاركة مع تحتمس الثالث، وبالطبع كانت هى الحاكم الفعلى للبلاد.
وقد استخلصت حتشبسوت لنفسها بعض رجال الدولة الذين اخلصوا لها ومكنوا لها بالطبع مع الحصول على المقابل برفع مكانتهم فى الدولة وكان من اهم هؤلاء الرجال "سنموت" وكان مدير بيت أمون وكان رجلاً طموحًا يعرف كيف يدير الأمور لملكيته ولنفسه، ومنذ بداية وصاية حتشبسوت على العرش وبدأ صعود نجم سنموت وارتبط اسمه بكثير من أعمال وتكليفات حتشبسوت، فأصبح المربى الأول لابنة حتشبسوت الأميرة نفرورع، والمشرف على أعمال أمون، ومدير أشغال الملك فى معبد أمون، واشرف بعد ذلك على عمائر حتشبسوت، وكان المهندس المعمارى لمعبد الدير البحرى، وكل هذه الوظائف مكنت له لكى يكون ذا قرار فى حكم البلاد وربما منفردًا فى بعض قرارته دون الرجوع لمليكته، وأكثر من هذا فقد مثل نفسه فى اوضاع تعبدية خلف أبواب بعض المقاصير الداخلية فى معبد الدير البحرى، وهو تجرؤ لا نظير له، وكان يفاخر بحظوته لدى حتشبسوت وبانه يطلع على الغرف الخاصة بالقصر الملكى، وربما كان هذا سببًا فى اختفائه بشكل مثير فى أواخر عهد حتشبسوت إذ أنها لم تقبل بمثل هذا التعدى من خادم لها مهما بلغت مكانته التى هى منحتها إياه، خاصة وغنه كان قد ادى الدور الذى كلف به من قبلها.
تميز عصر حتشبسوت بالعديد من الانشاءات المعمارية، التى توضح مدى ازدهار عصرها، كما تمدنا المناظر والنقوش التى مثلت عليها بفكرة واضحة عن تاريخ وإنجازات الملكة حتشبسوت، وكعادة ملوك الدولة الحديثة أسهمت حتشبسوت أيضًا فى مبانى الكرنك، بإقامة الصرح الثامن بالكرنك، وإقامة مقصورة للزورق لمقدس لأمون رع، كما لها العديد من الآثار فى موم أمبو والكوم الأحمر والكاب وأرمنت وإلفنتين، إلا أن أهم آثار حتشبسوت على الإطلاق هو معبدها الجنائزى الشهير فى الدير البحرى، والذى يعد من أخلد اعمالها بتصميمه الفريد ونقوشه الرائعة.
أما عن وفاة الملكة حتشبسوت، يقول الدكتور ممدوح الدماطى، لا يزال مجهولاً لدينا ولم تفصح عنه الآثار المكتشفة حتى الآن، إلا انها دفنت فى قبرها بوادى الملوك، لتنقل منه بعد ذلك إلى مقبرة مرضعتها المقبرة 60 بوادى الملوك.
عاشت مصر فى عهد الملكة حتشبسوت عصرًا من أزهى عصور الحضارة المصرية على مدار 12 سنة وتسعة أشهر كما جاء فى تاريخ مانيتون، قضتهم فى حكم مصر، تحفها العظمة وتذخر بالمجد، ونعمت مصر بالرقى والاستقرار والعلاقات الدولية الوطيدة، لتخلد اسمها بين أعظم حكام الدنيا، إلا أنها اختفت من على العرش فى ظروف غامضة لم يستطع علماء الآثار حتى الآن معرفتها على وجه اليقين، إلا أننا قد عثرنا على أغلب آثارها وقد تهشمت، وكأنها هشمت بفعل فاعل ليعتقد كثير من المتخصصين أنها كانت قد دمرت بأمر من الملك تحتمس الثالث انتقامًا منه لحتشبسوت التى اغتصبت عرشه قرابة 22 عامًا.