يحتفل العالم باليوم العالمى للأب، وقد كان للشعر مساهمة كبرى فى الإشارة إلى الأب، مع ملاحظة أن ذلك لا يأتى فى الحقيقة إلا متأخرا، وربما يكون بعد رحيل الأب، ومن ذلك قصيدة "أبى" للشاعر العربى الكبير إليا أبو ماضى.
طوى بعض نفسى إذ طواك الثّرى عنى
وذا بعضها الثانى يفيض به جفنى
أبي! خاننى فيك الرّدى فتقوضت
مقاصير أحلامى كبيت من التّبن
وكانت رياضى حاليات ضواحكا
فأقوت وعفّى زهرها الجزع المضنى
وكانت دنانى بالسرور مليئة
فطاحت يد عمياء بالخمر والدّنّ
فليس سوى طعم المنّية فى فمى
وليس سوى صوت النوادب فى أذنى
ولا حسن فى ناظرى وقلّما
فتحتهما من قبل إلاّ على حسن
وما صور الأشياء ، بعدك غيرها
ولكنّما قد شوّهتها يد الحزن
على منك تبر الضحى وعقيقه
وقلبى فى نار وعيناى فى دجن
أبحث الأسى دمعى وأنهيته دمى
وكنت أعدّ الحزن ضربا من الجبن
فمستنكر كيف استحالت بشاشتى
كمستنكر فى عاصف رعشة الغضن
يقول المعزّى ليس يحدى البكا الفتى
وقول المعزّى لا يفيد ولا يغنى
شخصت بروحى حائرا متطلعا
إلى ما وراء البحر أأدنو وأستدنى
كذات جناح أدرك السيل عشّها
فطارت على روع تحوم على الوكن
فواها لو أنى فى القوم عندما
نظرت إلى العوّاد تسألهم عنّى
ويا ليتما الأرض انطوى لى بساطها
فكنت مع الباكين فى ساعة الدفن
لعلّى أفى تلك الأبوّة حقّها
وإن كان لا يوفى بكيل ولا وزن
فأعظم مجدى كان أنك لى أب
وأكبر فخرى كان قولك: ذا ابنى
أقول: لو أنى... كى أبرّد لو عتى
فيزداد شجوى كلّما قلت: لو أنى!
أحتّى وداع الأهل يحرمه الفتى؟
أيا دهر هذا منتهى الحيف والغبن!
أبى! وإذا ما قلتها فكأننى
أنادى وأدعو يا بلادى ويا ركنى
لمن يلجأ المكروب بعدك فى الحمى
فيرجع ريّان المنى ضاحك السنّ؟
خلعت الصبا فى حومة المجد ناصعا
ونزّه فيك الشيب عن لوثة الأفن
فذهن كنجم الصّيف فى أول الدجى
ورأى كحدّ السّيف أو ذلك الذهن
وكنت ترى الدنيا بغير بشاشة
كأرض بلا مناء وصوت بلا لحن
فما بك من ضرّ لنفسك وحدها
وضحكك والإيناس للبحار والخدن
جرىء على الباغى، عيوف عن الخنا
سريع إلى الداعى، كريم بلا منّ
وكنت إذا حدّثت حدّث شاعر
لبيب دقيق الفهم والذوق والفنّ
فما استشعر المصغى إليك ملالة
ولا قلت إلاّ قال من طرب: زدنى
برغمك فارقت الربوع وإذا
على الرغم منّا سوف نلحق بالظعن
طريق مشى فيها الملايين قبلنا
من المليك السامى عبده إلى عبده الفنّ
نظنّ لنا الدنيا وما فى رحابها
وليست لنا إلاّ كما البحر للسفن
تروح وتغدو حرّة فى عبابه
كما يتهادى ساكن السجن فى السجن
وزنت بسرّ الموت فلسفة الورى
فشالت وكانت جعجعات بلا طحن
فأصدق أهل الأرض معرفة به
كأكثرهم جهلا يرجم بالظّنّ
فذا مثل هذا حائر اللبّ عنده
وذاك كهذا ليس منه على أمن
فيا لك سفرا لم يزل جدّ غامض
على كثرة التفصيل فى الشّرح والمتن
أيا رمز لبنان جلالا وهيبة
وحصن الوفاء المحصن فى ذلك الحصن
ضريحك مهما يستسرّ بلذة
أقمت بها تبنى المحامد ما تبنى
أحبّ من الأبراج طالت قبابها
وأجمل فى عينى من أجمل المدن
على ذلك القبر السلام فذكره
أريج به نفسى عن العطر تستغنى