ما إن تم الإعلان عن وعد بلفور فى 2 نوفمبر من عام 1917، ببناء وطن قومى لليهود فى فلسطين، وإذاعة البيان فى القدس وسائر أنحاء فلسطين، حتى راح الناس يعلنون سخطهم واستنكارهم وتزعزع ثقتهم ببريطانيا واندلاع الثورات فى جميع أنحاء المدن الفلسطينية.
فالمؤتمرات والاجتماعات السياسية المناهضة للاحتلال البريطانى، قديمة قدم الوعد الجائر لليهود فى أرض فلسطين التاريخية، ومن بينها مؤتمر القدس أول المؤتمرات المنعقدة فى المدينة المقدسة.
وتمر اليوم الذكرى السابعة والتسعون على انعقاد مؤتمر القدس، والذى طالب بإلغاء الانتداب البريطانى على فلسطين وإعلان استقلالها.
وبحسب كتاب "القدس: سيرة مدينة.. عبقرية مكان" للدكتور خالد محمد غازى، إنه بعد إعلان بلفور تسارعت وتيرة الأحداث وعقدت الجمعيات الإسلامية والمسيحية فى يافا مؤتمرًا عامًا سنة 1919 قرر فيه المجتمعون أن ينضموا لسوريا، وحدثت اضطرابات قتل فيها 9 يهود و4 عرب، وجرح 250 يهوديًا و21 عربيًا، فأعلنت بريطانيا الأحكام العرفية، وأنشات إدارة مدنية بالقدس وتقرر فى مؤتمر سان ريمو فى 25 أبريل 1920 تحويل فلسطين إلى محمية بريطانية، وتزايدت الهجرات اليهودية وقتها لفلسطين حيث وصلت إلى أكثر من 100 ألف مهاجر.
وأرسلت بريطانيا فى أول يوليو من عام 1920 أول مندوب سامى للأراضى الفلسطينية، وعانت القدس كثيرا من مظالم ذلك المندوب، الذى راح يزيد المستعمرات اليهودية بالسلاح والعتاد والذخيرة وتدريبهم على القتال.
كل هذا أدى لانعقاد مؤتمر كبير فى القدس فى 25 يونيو عام 1920، تم فيه رفض الانتداب البريطانى والمطالبة بإلغاء وعد بلفور والمطالبة باستقلال فلسطين وإقامة حكم نيابى ديمقراطى فيها على أن تتحد مع البلاد العربية الأخرى، وسافر وفد منهم إلى الغرب حاملا معه هذه القرارات ولم يترك الوفد فى إنجلترا وفى سائر أوروبا بابا إلا طرقه، لكنه وجد الأبواب كلها موصدة.
وقد نجح الإنجليز واليهود فى ضرب الأحزاب الفلسطينية بعضها البعض، فانشغلت بخلافاتها الداخلية فى حين راح الإنجليز يدعمون سلطتهم ويقوون استعمارهم، كما اغتنم اليهود الفرصة وراحوا يدعمون دعائم وطنهم القومى الذى كان هدفه ليس امتلاك القدس وحدها، بل سائر أراضى فلسطين، وهذه الأثناء وبينما العرب يعانون التشتت والحيرة فرضت عصبة الأمم نوعًا من الحكم أسمته الانتداب وعهدته إلى بريطانيا بإدارته نيابة عنها على أن يبدأ فى سبتمبر عما 1923، وأعدت قوانين تحمى وعد بناء الوطن اليهودى فى فلسطين، وحينها أدرك العرب أن إنجلترا التى اعتقدوا أنها صديقتهم خانتهم وأن الاستقلال أصبح حلمًا يصعب تحقيقه.