أقسم لى صديقى المقيم بحى الخانكة أن عمال أحد المصانع اتفقوا فيما بينهم لو مات "حربي" اليوم فلن يأتى أحد فى اليوم التالي، وبالفعل مات حربي، وبالفعل توقفت ماكينات المصنع فى ذات اليوم، ولم يدخله "صريِّخ ابن يومين" وربما يكون هذا الأمر مقبولا إذا ما كان حربى هذا صديقهم أو زميلهم فى المصنع، وربما يكون مقبولا أيضا لو كان حربى هذا جارهم فى المصنع أو أحد موردى خاماته، لكن ما لا يمكن تصوره أن يكون حربى هذا هو بطل مسلسل خالتى صفية والدير الذى أذيع لأول مرة منذ حوالى 22 عاما متسببا فى حالة خاصة جدا من الشجن المزمن.
تستطيع من خلال هذا الموقف أن تكتشف مدى تأثير المسلسلات فى حياة الناس فى مصر، وقت أن كان التليفزيون المصرى هو المنصة الوحيدة لمتابعة المسلسلات والنافذة الوحيدة لها، فكان الشعب كله على قلب رجل واحد يتابعون نفس المسلسلات وينفعلون بها نفس الانفعال، متدرجين فى الصراع حتى يصلوا إلى "الحلقة الأخيرة" التى كان الجميع فى انتظارها، وكانت الدموع أيضا فى انتظارها، لا تعرف هل يبكى الناس من مأساوية النهاية؟ أم يبكون لأنهم سيفارقون أبطال المسلسل الذى عانقوه على مدار شهر أو نصف شهر؟
الحلقة الأخيرة، 45 دقيقة منتظرة، الشوارع خالية، البيوت على أهبة الاستعداد، الجميع فى الانتظار، أكواب الشاى مرصوصة مصفوفة، وربما السندوتشات جاهزة أيضا، كل شيء معد، كل شيء فى مكانه، وكل صاحب حاجة قضاها قبل تتر البداية والغائب سيفقد شغف المتابعة، الغائب سيضطر إلى الاكتفاء بحكاية القصة دون مشاهدتها وسيصبح كجائع يصف له الشابعون مذاق الطعام، والغائب سيحرم من إلقاء نظرة الوداع على أبطال عاش معهم وأحبهم وانفعل بهم، والغائب سيفقد تلك الـ"ياااااااااااه" التى سيقولها كلما حكى لأحد عن نهاية مصائر أبطال المسلسل الذى عاش معه أياما وليال.
فى هذا الملف نحاول أن نتأمل كيف شكلت الحلقة الأخيرة من مسلسلات تراث الدراما المصرية وجدان المصريين على مدار عشرات السنين، فقد مرت الحلقات الأخيرة لمسلسلات رمضان الماضى سريعة مفاجأة، وهو ما استدعى نهايات مسلسلات تراث الدراما المصرية وما تركته فى نفوس المشاهدين من آثار باقية حتى الآن، ولسنا هنا فى سبيل المقارنة بين الحالتين، فالوقت مازال مبكرا على الحكم على المصير، وأية مقارنة ستكون ظالمة بين الحالتين، لكن من حقنا أن نتساءل: هل سيكسب الزمن حلقات مسلسلات 2018 بريقا إضافيا أم ستتوارى مع الأيام؟ سؤال سوف يجيب عليه الزمن.