لن ننسى ما حيينا تلك الصرخة التى أطلقتها المبدعة فادية عبد الغنى فى الحلقة الأخيرة من مسلسل الوتد، عندما مات زوجها كبير العائلة "الحاج درويش"، صرخة صمت الجميع أمامها، واقشعرت الأبدان وانحسبت الأنفاس وسالت الدموع، حزن عام فى الشوارع على موت الحاج درويش الذى جسده ببراعة شديدة الفنان الكبير يوسف شعبان لدرجة جعلتنا نصدق أنه فى الحقيقة الحاج درويش وليس فنانا كبيرا يمكنه تجسيد هذه الشخصية أو غيرها، وحتى يومنا هذا هو بالنسبة إلينا "أبا الحاج درويش" الأخ الأكبر والأب لعائلة كبيرة استطاع أن يحتوى كل فرد منها وأن يكون لهم السند والحماية على اختلاف توجهاتهم وميولهم وشخصياتهم، وكأن هذه العائلة هى الحياة التى تضم أنواع البشر وأصنافهم وكأن درويش هو الراعى الذى يعلم كيف ينجو بهذه العائلة وأفرادها ويصل بهم للأمان.
لم يكن الموت مفاجئا لنا فى الحلقة الأخيرة من مسلسل الوتد، فالمصريون جميعا كانوا يتوقعون زيارة "ملك الموت" لبيت الحاجة فاطمة، السيدة التى جسدت دورها القديرة هدى سلطان بمنتهى القوة، فقدمت نموذجا للأم وكبيرة العائلة التى تدير شئون بيتها ولا تتوقف إدرتها عند حدود البيت، بل كانت تدير حتى النفس الذى يتنفسه أبناءها، فهى تباشر تجارتهم وأراضيهم وبيوتهم وزوجاتهم وعلاقاتهم الأسرية وعلاقتهم كأخوة ببعضهم، قسمت بينهم الأدوار فشكلوا دولة فى بيت صغير، هذا يباشر الزراعة، وهذا يهتم بشئون التجارة وغيرهما يشغله العلاقات الخارجية وآخر مسئول عن غذاء العائلة، فكونت بهم فريقا يعتمد كل منهم على الآخر ويكمل كل منهم الآخر فصاروا وتدا أمام العالم لا يمكن هزيمته، حتى انهزمت هذه السيدة متناهية القوة هزيمتها الأولى أمام عصيان أحد أبنائها لها ومحاولته الفرار من مسئوليته تجاه البيت، فلم تقاوم ومرضت، وظلت طريحة الفراش تتمنى جموع المصريين لها السلامة وكان المتوقع فى الحلقة الأخيرة موتها وأن يمسك زمام الأمور مكانها أبا الحاج درويش الذى لم يكن مجرد الابن الأكبر لفاطمة تعلبة، بل كان لها أبا وابنا وأخا وصديقا، فقد ربته ليكون كبيرا على مملكتها، فارتبطا ببعضهما ارتباطا لم ندرك حجمه حتى سمعنا صراخ فادية عبد الغنى معلنة موته، وقت أن دخلت عليه غرفته تبشره أن الحاجة فاطمة أفاقت من غيوبيتها، فوجدته ميتا حزنا على الأم، التى لم يتخيل يوما واحدا أنها بشر عادى يهزمه المرض، فمات حزنا عليها وكانت صدمتنا صدمتين، لأن موت الحاج درويش لم يكن هو المنتظر، وعلى الرغم من نهاية المسلسل على هذا المشهد إلا أن موت الأم فاطمة تعلبة عقب موت درويش هو الأمر الحتمى، فقد هزمها من قبل عصيان ابن صغير فحتما سيقضى عليها موت الابن الأكبر والسند والحبيب.