إبادة الكتب.. تدمير الكتب والمكتبات برعاية الأنظمة السياسية فى القرن العشرين.. كتاب صدر ضمن سلسلة عالم المعرفة، التى تصدر عن المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب، فى الكويت، وهو من تأليف الكاتبة والباحثة ربيكا نوث، ونقله إلى اللغة العربية، المترجم عاطف سيد عثمان، ويقع الكتاب فى 375 صفحة من القطع المتوسط.
تتحدث الكاتبة ربيكا نورث فى البداية عن الكتب والمكتبات التى تقع بين الحين والآخر ضحية للكوارث. فهى، فى النهاية، أشياء مادية هشة.
وعلى الرغم من أن هذه الكوارث تصيبنا بالحزن وتخلف فى نفوسنا إحساسا بالخسارة، فإن استجابتنا لدمار الكتب من جراء الكوارث الطبيعية تختلف عن استجابتنا لتدميرها المتعمد. فغالبا ما يكون لقوة العامل الإنسانى فى حالة الكوارث الطبيعية دور ثانوى، كما أن الأضرار التى تلحق بالكنوز الثقافية فى هذه الحالة لا تثير أسئلة بشأن النسق الأساسى للمجتمع.
لكن الحال تختلف اختلافا كليا عندما تنهب الكتب، وتقصف المكتبات، وتحرق بطريقة منهجية. إذ نكون هنا بصدد هجمة متعمدة ومدروسة تستهدف ثقافة جماعة ما، وينطلق رد فعل العالم أجمع من إحساس بأن الثقافة الإنسانية بأسرها قد تعرضت للاعتداء.
تنطلق الكاتبة ربيكا نورث فى كتاب "إبادة الكتب.. تدمير الكتب والمكتبات برعاية الأنظمة السياسية فى القرن العشرين" من طرح سؤالين: ما الفارق حقا بين الذين تفجعهم كارثة تدمير الكتب والمكتبات والذين يلقون بالكتب طواعية، بل وبابتهاج فى قلب النيران؟ وكيف تنسجم مثل التقدم الإنسانى مع العنف والتدمير واسع النطاق للثقافة اللذين ميزا القرن العشرين؟.
وترى ربيكا نورث أن حملات تدمير الكتب بعيدة كل البعد عن أن تكون مجرد شر محض، فهى عمليات موجهة نحو هدف مرسوم وخطط مسوغة بعناية فى إطار الصراعات التى اندلعت بين رؤى متعارضة للعالم فى القرن الماضى. ففى سعيها نحو بناء يوتوبيا أرضية انتهكت الأنظمة المتطرفة كل الحدود المتخيلة؛ إذ تحولت منظوماتها العقائدية إلى أيديولوجيات راديكالية.
من قلب الفوضى التى نجمت عن عدوان الأنظمة المتطرفة برزت إلى الوجود الإبادة الجماعية والإبادة الإثنية، وهما ظاهرتان يمكن إدراكهما وعزوهما بوضوح إلى الأفكار. أما النمط الثالث - كما ترى الكاتبة - فهو إبادة الكتب، فيقع داخل هذا الإطار النظرى ذاته.
وتركز ربيكا نورث فى كتابها على إبادة الكتب والتدمير واسع النطاق للكتب والمكتبات برعاية الأنظمة السياسية فى القرن العشرين، أى تلك الخطط المدروسة التى حيكت بهدف تحقيق أهداف أيديولوجية على المديين القريب والبعيد؛ فإبادة الكتب، فى ضوء ذلك، نمط ثانوى قابل للتعيين أو ظاهرة ثانوية يمكن إدراكها، تحدث داخل إطار الإبادة الجماعية والإبادة الإثنية.
ومثل أنماط الانتهاكات الاجتماعية الثقافية الأخرى التى كتبت فى أثناء الحرب أو الاضطرابات الأهلية، ظلت إبادة الكتب غير مرئية إلى حد بعيد، فى وقت أتاحت فيه أشكال التقدم التكنولوجى والقيادة المركزية والأيديولوجيات المتطرفة والعقليات الحديثة النزَّاعة لشن الحرب لهذا النمط أن يصبح عدوانا منهجيا. وبسبب العواقب الاجتماعية لإبادة الكتب تكتسب محاولة سبر دينامياتها أهمية راهنة.
فى الفصل الأول من الكتاب، تستكشف الكاتبة ردود الأفعال على تدمير الكتب، وتقيم الحجة على أن تدمير الكتب جريمة قائمة، كما تبين الرابط بين الإبادة الجماعية والإبادة الإثنية، وفى الفصل الثانى، تناقش نشوء المكتبات ووظائفها، وتربط بين المكتبات من جهة والتاريخ والذاكرة الجمعية وأنساق المعتقدات والقومية والتطور المجتمعى من جهة أخرى، وبينما تركز أدبيات علم المكتبات على الجوانب التشغيلية للمكتبات - أى استرداد المعلومات وحظفها ونشرها - يحدد هذا الفصل الوظائف الاجتماعية والسياسية للمكتبات، وهى جوانب جوهرية تجعلها أهدافها لأعمال العنف.
أما الفصل الثالث، فتعرض فيه ربيكا نورث خمس دراسات حالة عن طريق طرح إطار نظرى لقراءة حملات إبادة الكتب، إذ تبرز المعتقدات التى يتبناها المتطرفون، والتى تتحول على أيديهم إلى أيديولوجيات، وتعيين النصوص بوصفها أدوات فى حوزة العدو أو بوصفها أعداء فى حد ذاتها، كما تعرض العوامل المحفزة التى تنشط أنماطا مشتركة للتطرف حول العالم.
ومن الفصل الرابع وحتى الثامن، تقدم الكاتبة عرضا لحالات مختارة لبيان وجاهة الإطار النظرى المطروح، وشرح ديناميات تدمير الكتب: كما هى الحال على يد النازيين، والصرب فى البوسنة، والعراقيين فى الكويت، والماويين فى أثناء الثورة الصينية، والشيوعيين الصينيين فى التبت.
وفى الفصل التاسع، تختم الكاتبة ربيكا نورث كتابها باستكشاف قضايا أعمق، والالتفات إلى تطور القانون الدولى والآليات الرامية إلى الحيلولة دون وقوع إبادة الكتب. وتؤكد فيه بأن إبادة الكتب فى القرن العشرين مرآة للمعارك بين الأيديولوجيات المتطرفة من جهة والنزعة الإنسية الديموقراطية ومبدأ ترافد الأمم من جهة أخرى.
يشار إلى أن ربيكا نوث، أستاذة بجامعة هاواى، برنامج علوم المكتبات والمعلومات، تتركز أبحاثها فى مجالات الرقابة على المطبوعات، والحركة الفكرية، وعلم المكتبات، وتاريخ الكتب والمكتبات، والعلاقة بين التطرف والتدمير الثقافى.
أما المترجم، فهو عاطف سيد عثمان، تخرج فى كلية الألسن قسم اللغة الإنجليزية، جامعة عين شمس عام 2001، ترجم وشارك فى ترجمة ومراجعة عدد من الكتب، منها: "مقدمة قصيرة عن العنصرية"، و"دراسات أكسفورد للإحالات الضمنية"، و"دليل كامبريدج للخيال العلمى"، و"دراسات ما بعد الكولونيالية: المفاهيم الرئيسية"، و"مزايا الديموقراطية: كيف تعزز الديموقراطيات الرخاء والسلام"، و"التحديث والديموقراطية والإسلام"، و"الحادى عشر من سبتمبر والإمبراطورية الأمريكية: المفكرون يتحدثون".