حفلة أوهام مفتوحة.. رواية للشاعر السورى الكردى هوشنك أوسى، صدرت عن دار سؤال سؤال للنشر، وتدور أحداثها حول حادثة اختفاء كاتب وشاعر بلجيكى معروف يدعى يان دو سخيبر فى ظروف غامضة.
لم يترك الشاعر خلفه سوى رسالة واحدة، ذكر فيها بأنه سيقوم بإعدام كل ما كتبه من روايات ودواوين شعر، وكل ما رسمه من لوحات، حرقاً فى حديقة منزله الكائن بمدينة اوستند البلجيكية، على بحر الشمال. لكنه لم ينفذ ذلك القرار، لسبب مجهول، ثم اختفى. ولم يعثر البوليس البلجيكى على أى أثر له. ولأنه شخصية عامة، شغلت حادثة اختفائه الرأى العام والصحافة والإعلام فى بلجيكا.
وبعد أن فشل المحقق فى هذه القضية "إيريك فان مارتن" فى استخدام كل أساليب التحقيق الجنائى فى عملية البحث والتحرى، أتته فكرة اللجوء إلى قراءة روايات الكاتب المفقود، وهى ثلاث؛ روايتان مطبوعتان وثالثة على شكل مخطوط. ثم قرأ دواوينه الشعرية، وعرض بعض قصائده على ناقد أدبى بلجيكى، وعرض بعض لوحاته الأخيرة على ناقد تشكيلى، ثم استمع لآرائهم النقدية - التحليلية، كل ذلك بهدف محاولة توظيف الأدب والفن فى التحقيق الجنائى، والتقاط ولو خيط يوصل إلى سبب اختفاء هذا الكاتب؟ ومعرفة إلى أين ذهب؟.
وبالتالى، يبدأ تسلسل عرض الروايات الثلاث، ضمن هذه الرواية: الأولى بعنوان "غريب على أرضٍ غريبة" صدرت سنة 1988، تتناول السيرة الذاتية لوالد يان دو سخيبر؛ آلفونس دو سخيبر، الجندى البلجيكى الذى فقد الذاكرة فى الحرب الكورية سنة 1951، واكتسب هناك الهوية الكورية، ثم يتم تسفيره إلى تركيا، بسبب نسبة الشبه الكبيرة بينه وبين جندى تركى مفقود أيضاً فى الحرب الكورية، على أنه ذلك الجندى التركى. ويكتسب الهوية التركية - الكردية هناك فى تركيا. ثم يكتشف أنه ليس تركى. فيسافر إلى بلجيكا سنة 1961 بقصد العمل ضمن مناجم الفحم، لكن ليس كمواطن بلجيكى، بل كعامل تركى مهاجر. ويبقى فاقداً للذاكرة وحس الانتماء لبلجيكا من 1951 ولغاية 1985، حين يعيد إليه الموت كل ذاكرته، فى لحظة واحدة.
والرواية الثانية بعنوان "موتى يعيشون أكثر منا" صدرت سنة 2013 وتتناول تجربة يان وصديقه الشاعر الكردى التركى أوميد سَرخَتى، المنشق عن حزب العمال الكردستانى، والذى أحبته مترجمة كولومبية، عبر قراءة قصائده وترجمتها لهذه القصائد من التركية إلى الإسبانية، حتى قبل أن تلتقى به وتعرفه عن قرب، ثم انفصالها عنه.
والرواية الثالثة - المخطوط، كانت بعنوان "قطار أعمى لا يخلف مواعيده"، تتناول حياة باحث ألمانى اسمه يورغن راينر، يجيد لغات كثيرة، ومهووس بالاستماع لقصص وحكايات وأحاديث المسافرين والمسافرات على متن القطارات. الرواية تعرض سفرة على متن القطارات من برلين إلى بروكسل ثم باريس، وما يصادفه يورغن من قصص وحكايات على متن القطارات التى يستقلها طيلة الرحلة.
تنتهى رواية "حفلة أوهام مفتوحة" بنهاية مفتوحة. إذ لا يكتشف المحقق إيريك فان مارتن سبب اختفاء الكاتب البلجيكى يان دو سخيبر، ويقدم استقالته من العمل. ويبقى التحقيق فى هذه القضية مفتوحاً ومستمراً.
مساحة الأمكنة والحيوات فى هذه الرواية واسعة ومتداخلة ومتشعبة. إذ تجرى أحداثها فى بلجيكا، كوريا، تركيا، سوريا، كردستان، كولومبيا، لبنان، ألمانيا، فلسطين وباكستان. كذلك تتقاطع مصائر وأقدار البشر فى هذه الرواية التى تعالج فكرة الهوية والانتماء، إلى جانب معالجتها مواضع وأفكار عديدة، منها: الحب، الأمل، اليأس، الثورات، الغربة والاغتراب، الخيانات، الانكسارات والخيبات.
كتب هوشنك أوسى على صفحته فى الفيسبوك حول تجربته الروائية الثانية قائلاً: فى "حفلة أوهام مفتوحة" هناك تحد لـ"وطأة اليقين" من حيث الحجم، والقصص. ذلك أن الرواية الثانية أصغر من الأولى، بحدود 60 صفحة، وأكثر غزارة فى القصص وتقاطع الحيوات بين البشر والأوطان والشعوب، أكثر من الرواية الأولى. يعني؛ قصص أكثر، وكلام أقل.
وأضاف أوسي: فى "حفلة أوهام مفتوحة" هناك محاولة اعادة الاعتبار للشعر. ودحض وهم وأكذوبة أن "زمن الشعر ولى" وأنه "زمن الرواية" وحسب. الشعر حاضر فى هذه الرواية، كأبطال، وكنصوص، بعيداً من توظيف لغة الشعر فى لغة السرد.
أهدى هوشنك أوسى روايته هذه إلى الطفل الكردى السورى: آلان عبدالله شنو الذى غرق فى بحر إيجا يوم 2/9/2015. وأهداها أيضاً "إلى ضحايا الأوهام... وضحايا الحقائق".
هوشنك أوسى، كاتب وشاعر وصحافى كردى من سوريا، مواليد الدرباسية السورية سنة 1976. يكتب باللغتين الكردية والعربية. له 8 مجموعات شعرية بالعربية والكردية. مقيم فى بلجيكا منذ نهاية 2010.