امتلك المسلمون على مدار تاريخ الإسلام ومنذ بداية الدعوة على يد النبى محمد عليه السلام، فى عام 610 م، مرورا بالخلافات والدول الإسلامية التى حكمت دولة الإسلام مدار نحو أربعة عشر قرنا من الزمان وصولا إلى العصر الحديث، حضارة معمارية كبيرة، تمثلت فى العديد من المساجد المنتشرة فى كل بقاع الدول الإسلامية، بداية من الحرمين الشريفين بمكة والمدينة والمسجد الأقصى بالقدس، مرورا بمساجد دول الخلافة الإسلامية ومنها بالتأكيد المسجد الأموى بحلب.
وتتواصل جهود الحكومة السورية فى ترميم جامع حلب الكبير، أو ما يعرف بالمسجد الأموى بحلب، بعدما تعرض للتدمير منذ 2013 على يد مسلحى تنظيم داعش الإرهابى الذين دمروا أجزاء كبيرة منه ونهبوا مقتنياته، ونقل بعضها إلى تركيا.
تتواصل أعمال ترميم الجامع الأموي الكبير في حلب الذي تحول الى ساحة متاريس خلال أربع سنوات من المعارك دُمرت خلالها المدينة القديمة وانتهت بعد سيطرة الجيش السوري على الاحياء الشرقية لمدينة حلب نهاية العام 2016#فرانس_برس pic.twitter.com/Ghp5fHjz6N
— فرانس برس بالعربية (@AFPar) August 15, 2018
ويعد المسجد أقدم المساجد فى مدينة حلب السورية ويقع فى حى الجلوم فى المدينة القديمة من حلب، التى أدرجت على قائمة مواقع التراث العالمى عام 1986، حيث أصبح الجامع جزءاً من التراث العالمى، وهو يقع بالقرب من سوق المدينة، كما يعرف الجامع أيضاً بوجود ما بقى من جسد النبى زكريا.
وبحسب كتاب "أطلس الأديان" للدكتور سامى بن عبد الله المغلوث، الجامع هو أكبر مسجد فى حلب التى تحوى ما يقرب من ألف جامع ومسجد تمثل 14 قرنا، وقد بنى هذا الجامع فى عهد الخليفة الأموى سليمان بن عبد الله، ويتميز بمنارته الجميلة والمربعة الشكل ومنبره الرائع المصنوع من خشب الأبنوس والمطعم بالعاج ومحرابه المصنوع من الحجر الأصفر المزين بالمقرنصات وأورقته المتناظرة المتناسقة.
ويوضح الكتاب أن الجامع الموجود فى حى سويقة حاتم، يشبه من حيث المخطط الجامع الأموى بدمشق، وتقول المصادر التاريخية إن الخليفة الأموى سليمان بن عبد الله بناه مماثلا لجامع دمشق، وذلك فى 717 ميلادى، وتعرض المسجد للحرق على يد ملك الروم نقفور فوكاس عندما اجتاح حلب عنوة بعد حصار محكم، وشهد أعمال نهب وحرق استمرت 7 أيام كاملة ورممه بعدها سيف الدولة الحمدانى.
وبعد فتنة داخلية أعاد بنائه السلطان العادل نور الدين محمود بن زنكى وزاد سعته وقطع له أعمدة صفراء من بعاذين - إحدى قرى حلب - ووسع القبلية باتجاه الشرق، وبنى الرواقات الغربية، وفى سنة 1259 استولى التتار بقيادة هولاكو على حلب، وأحرق حائط المسجد القبلى، فأعاد بنائه الملك الظاهر بيبرس، وعمل له سقف متقن سنة 1280، وعاد التتار وأحرقوه مرة أخرى واحترق السقف وأعيد ترميمه سنة 1285.
ولم تكن العناية به أيام العثمانيين أقل شأنا، فأولوه الكثير من الإصلاحات والترميمات، التى تمت على عهدهم، وكان فى طليعتها صحن الجامع والأورقة والواجهات القبلية.
وبحسب عدة دراسات تاريخية مثل "أطلس تاريخ الأنبياء والرسل"، "أطلس الفتوحات الإسلامية" فيعتقد البعض أن المسجد يحتوى ما تبقى من جسد النبى زكريا أبو النبى يحيى، فى إحدى جوانب المسجد.
وخلال معارك شديدة بين القوات السورية والمعارضة المسلحة وقعت فى عام 2013، أسفرت تلك الاشتباكات عن دمار هائل فى معالم المسجد الأثرى، وعن تدمير مئذنة المسجد، وأجزاء من باحته.
ويعمل الآن نحو 100 مهندس ونحات وحرفى وعامل، فى عمليات الترميم، تهدف إلى إعادة المسجد حالته الأولى مع الحفاظ على صبغته التاريحية.
ويأتى ذلك تحت إشراف وزارة الأوقاف السورية، والتى اتفقت مع نظيرتها الشيشانية لتمويل جزء من عملية إعادة إعمار الجامع، كما تجرى عملية الترميم تحت إشراف المديرية العامة للآثار.