صدرت رواية "ميرا" للكاتب الأردنى قاسم توفيق، عن دار الآن ناشرون وموزعون.وفى البيان الصادر عن الدار تجرى أحداث الرواية فى تسعينيات القرن الماضى، فى مكانين رئيسين هما: مدينة "عمّان"، ومدينة "نوفى ساد" فى يوغسلافيا السابقة.
"ميرا" ممرضة يوغسلافية مسيحيّة، أحبّت"رعد" الأردنى المسلم الذى جاء إلى يوغسلافيا للدراسة بمنحة من الحزب الشيوعى، تزوّجته بعدما اتفقا على أن تظلَّ على مسيحيّتها، وبعد مرور أكثر من ربع قرن على هذا الزواج، الذى أثمر ولدًا وبنتًا، اندلعت الحرب الأهلية فى يوغسلافيا. أُصيب "رعد" بالرعب من القتل بسبب ديانته، فقرّر الهرب إلى وطنه الأصلى "الأردن" الذى ما فكّر يوما بالرجوع إليه، وحينها لم يكن أمام "ميرا" من خيارٍ سوى الرضوخ لقرار زوجها، والعودة معه إلى الأردن مع ابنتهما "رجاء" المراهقة الجميلة.
أما ابنهما الجامعى "شادى"، الذى اقتبس الكاتب اسمه من أغنية فيروز المشهورة" شادى"، التى يضيع شادى فى نهايتها، فقد قرّر أن يبقى، وأن يتطوّع مع جيش بلاد أمه "صربيا" المسيحى، ضد شعب البوسنة المسلم، وذلك بعدما فشلت كل محاولات الأبوين فى إقناعه للعدول عن قراره، وردعه عن المشاركة فى هذه الحرب الطائفيّة، التى هى حرب ضد أهل ملّته.
وصلت "ميرا" مع عائلتها إلى الأردن، وتكيّفت مع أسلوب الحياة فى عمّان، ومارست التمريض، مهنتها القديمة، وأصبحت تقدِّم خدماتها المجّانية لقريبات زوجها ولجاراتها اللواتى كنّ يلجأن إليها لإعطائهن وصفة طبية لأمراض خفيفة، أو لحقنهن بالإبر، أو لمساعدتهن فى الحمل والولادة، وبذلك تقبَّلها أهل زوجها، وجيرانها، باستثناء البعض الذين استنكروا عليها بقائها على دينها، وتمسّكها بعاداتها الغربيّة.
أما "رجاء" الصغيرة، فقد نُزِعت عنها طفولتها وعذوبتها، وغلبت عليها الشراسة طول الوقت، إذ لم يعد يرُق لها لباس أمِّها غير المحتشم، ولم تعد تحتمل أن تراها تكلّم جارًا أو بقّالًا، أو أى رجل غريب، فقد انكبّت منذ عودتها على قراءة الكتب الدينية، وارتدت الحجاب، وانضمت إلى جمعية حزبية دينية بإقناع من عمتها العانس الثَّرية الملتحقة بإحدى جماعات الدعوة، والتى تكفّلت بها منذ عودتها نتيجة ضيق يد أبيها الذى وجد فى بقاء ابنته عند عمتها نوعًا من التخلّص من عبء احتياجاتها، دون أن يدرك أن العمة ستجعل لاحقًا من ابنته فتاة متديّنة متعصّبة.
بعد أن تنتهى الحرب، يُفاجأ "رعد"و"ميرا" اللذان مضى على وجودهما فى عمّان حوالى أربع سنوات، باتصال من يوغسلافيا، يخبرهما أن "شادى" حيّ، وأنه يريد الالتحاق بهما فى الأردن.
يعود "شادى" الذى نجا من الحرب بأعجوبة فارغًا من كل شىء يمكن أن يملأ حياة شاب فى مثل عمره، فقد قتل الكثيرون من أصحابه، ولم تعد حبيبته بانتظاره، وهو ملزم باتباع دين أبيه، وأن يعيش عمره على دين أمه، ولذلك رفض الدينين، وأصبح يرفض كل ما يراه الآخرون صحيحًا، وصارت تتلبّسه نزعات عدوانية رافضة لكل شىء، فهو لم يفكّر فى البحث عن مهنة يعتاش منها، أو حرفة أو هواية تنشله من وحدته، فتحوّل إلى شاب عابث مغامر، لا يتقن غير اللهو، إلى أن يقرّر أن يتحوّل إلى الجنون لكى يجد مبرّرا لسلوكياته الشائنة التى لا تتوافق مع عادات الناس وثقافتهم.
"شادى" الذى قاتل المسلمين فى وطن أمه بالأمس، أقدم اليوم بعد سنوات قليلة من عودته إلى عمّان على طعن أمه بسكّين المطبخ عشرات الطعنات، إلى أن تأكد من أنها قد فارقت الحياة، ممزقا جسدها الرقيق الناعم، وذلك بعد أن سمع بعض الرجال الذين خسروا فى لعب القمار معه يصفونها بالمومس.
قيل إن شادى مريض وفاقد للأهلية، وإنه يتعالج من الجنون فى مستشفى الفحيص، لم يحسم أمر هذه الفاجعة، ولم يتّفق الناس على رأى واحد يشرح كيف يُقدِم ولد على قتل أمه. "شادي" وحده من كان يعرف الحقيقة.