"ولدت الطفلة الأولى لوالدين شابين بعد ولادة مبتسرة، وأخبرهما طبيب الأطفال أن احتمال بقاء طفلتهما على قيد الحياة هو 50% فقط، عندها نظر الأب إلى السماء وعيناه مغرورقتان بالدموع، وقال "أرجوك يارب، لا تدعها تموت".
بدأ كتاب "بيولوجيا السلوك الدينى.. الجذور التطورية للإيمان والدين"، تحرير جى.ر.فيرمان، وترجمة الدكتور شاكر عبد الحميد، بهذه القصة الموجزة بجانب مجموعة من القصص الأخرى التى توضح كيف يمكن أن يكون الدين أمراً طيباً، ومساعداً للبشر ومريحاً لهم.
ويذكر محرر الكتاب أن المساهمين فى الكتابة يسعون من أجل فهم واحد من الجوانب المهمة فى الدين ألا وهو السلوك الدينى، حيث يسلم السلوك الدينى نفسه للدراسة العلمية، وذلك لأنه سلوك قابل للملاحظة، ومن أجل فهم جوانب غير سلوكية مهمة من الخبرة الدينية، وذلك لأنه عندما يبدأ المرأ بدراسة السلوك، تحضر جوانب أخرى تتضمن المعتقدات والقيم والحالات المزاجية والمشاعر، ومن ناحية أخرى يؤكدون لأنه لا تعارض بين الدين والعلم أو دراسة السلوكيات الدينية من منظور علمى باعتبارها محاولة للتكيف مع البيئة ومحاولة للارتقاء بالإنسان، وعليه فإن تطبيق نظرية التطور لدارون على تطور السلوك الدينى ممكن وليس مستحيلاً أو متعارضاً مع الدين نفسه كما يرى الكثيرين، وهكذا يمكن أن توظف ظاهرة السلوك الدينى بوصفها نقطة البداية العملية من أجل استكشاف ظاهرة الدين نفسها.
والكتاب يتبنى علم دراسة الكائنات الحية فى بيئتها الطبيعية وارتباط الإنسان والحيوان فى نفس البيئة، ويسرد تاريخ تطور السلوك وكيفية ارتقائه، الأمر الذى يعد محاولة لفهم السلوك الدينى للأفراد، وذلك من خلال ستة أقسام مقسمين إلى خمسة عشر فصلاً.
وتبعاً للكتاب يأمل المساهمون فيه إظهار الاختلاف الكبير بين السلوك الدينى وبين الدين كمعتقد، فالسلوك الدينى قابل للملاحظة ويرتبط بالاعتقاد فى وجود كيان إلهى ويمكن التعرف عليه من خلال اللغة و من الطقوس التى تظهر خلال العبادات.
كما يستعرض الكتاب فكرة التباينات بين الديانات، حيث إن هناك اختلافات بين الديانات المختلفة سواء كانت سماوية أو وضعية، وفى الوقت نفسه يوجد جوانب مشتركة ومتكررة بينهم، فمثلاً كل دين له خصوصيته ولكن بشكل عام يشترك الكل فى اعتقاد وجود حياة بعد الموت، ووجود كائنات غير منظورة، فضلاً عن الإيمان بالمعجزات والثواب والعقاب ووجود الوحى.
والكتاب من خلال فصوله يوضح أن الأديان مرت بمراحل تطور أربعة على الأقل، وهى البدائية القديمة، والديانات التى تؤمن بتعدد الآلهة، ثم الديانات الموحدة، ثم الديانات التى تضم مذاهب ومناهج جديدة، وذلك تم معرفته، من خلال ملاحظة العلماء سلوك الأفراد، مما يؤكد أهمية دراسة السلوكيات الدينية لمعرفة جوانب كثيرة للأديان المختلفة.
ويوضح الكتاب أن هناك فوائد كثيرة للتدين بصورته الصحيحة التى تعتمد على التسامح والإيمان والأخلاق الطيبة، حيث أنه يساعد على توحيد المجتمعات ويجعلها أكثر تماسكاً ويدعم الأخلاق، بالإضافة إلى تدعيم الشعور بالرضا، وتقوية الذاكرة وجهاز المناعة، وزيادة الشعور بحسن الحال، كما إنه يساعد على التعاون ويقلل من حالات الحيرة والشك وتردد اليقين ويمثل أرضية ثابتة لمواجهة المشكلات، فضلاً عن إن المتدين أقل عرضة للانتحار والاكتئاب.