أعلنت دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبى، اليوم، السبت، اكتشاف أقدم مسجد فى إمارة العين، يعود تاريخيه إلى أكثر من 1000 عام.
وذكرت دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبى، فى بيان لها اليوم، أن هذه الفترة تميزت بالانتشار السريع للإسلام، والذى أدى إلى موجة كبيرة من التغير والتطور فى جميع أنحاء الإمارات، حيث رسخ الدين الجديد منظومة القيم والمعتقدات التى تركت بصمتها على تاريخ البلاد فى القرون التالية.
وكان علماء الآثار فى دائرة الثقافة والسياحة قد اكتشوفوا الآثار الإسلامية الجديدة بالقرب من موقع بناء مسجد الشيخ خليفة فى العين، وتتضمن عدة أفلاج (أنظمة الري) وثلاثة أبنية عل الأقل، والأكثر أهمية مسجد يعود إلى الفترة الذهبية المبكرة من العهد الإسلامى فى فترة الخلافة العباسية قبل نحو ألف عام.
وقال محمد خليفة المبارك، رئيس دائرة الثقافة والسياحة- أبوظبى "تثبت المكتشفات الجديدة فى العين على مدى ثراء تاريخ المنطقة، مما يتطلب المزيد من الدراسة والتحليل للتعمق فى طبيعة الحياة فى كل فترة زمنية. إن اكتشاف مسجد من العصر العباسى فى العين يدلل على التأثيرات المتجذرة للإسلام فى المنطقة رغم بعدها عن مركز انبثاق الدين الإسلامى فى وقت كانت فيه وسائل النقل بدائية، غير أن الدراسات المرتبطة بالموقع الجديد كشفت أن الروابط والصلات التى شكلها الأجداد مع العالم والحضارات المجاورة قد تخطت حواجز الحدود ومشكلات النقل، فالتأثيرات الحضارية المتبادلة واضحة وعميقة، وهو ما يدعوا إلى المزيد من التحليل لتكوين فهم معمق عن تلك العصور".
وكشف خبراء الآثار أن هذه الأبنية، وهى من الطوب اللبن، بقايا قلعة صغيرة والعديد من الأبنية الأخرى. وكان سكان المستوطنة يحصلون على احتياجاتهم من المياه العذبة من أفلاج بنوها بالقرب من المستوطنة. وتتميز تقنية الفلج بتاريخ عريق فى العين يرجع إلى 3,000 عام. وفى العصر الإسلامى الأول، أدخل سكان العين العديد من التحسينات على تقنية بناء الأفلاج باستخدام الطوب اللبن المحروق لضمان استقرار ومتانة القنوات الممتدة تحت الماء. وقد عثر على هذه الأفلاج فى حالة جيدة.
ويعزز اكتشاف المسجد المبنى بالطوب اللبن مكانة مدينة العين على الخريطة العالمية كمركز حضارى منذ العصور الإسلامية الأولى. وأدرك علماء الآثار أن المبنى هو فى الحقيقة مسجد عندما وجدوا محرابين فى الغرفة الداخلية والساحة الخارجية، وهو ما يشير إلى أن الناس اعتادوا الصلاة داخل المسجد وخارجه، تماماً كما يفعلون اليوم.
كما عُثر أيضاً على أجزاء من أوانى استخدمت على الأرجح للوضوء أو أغراض أخرى داخل المسجد، ويعود تاريخها إلى الفترة بين القرنيّن التاسع والعاشر الميلاديين. وبناءً على هذه الاكتشافات واختبارات تحديد العمر الزمنى بالكربون المشع لأحد الأفلاج المجاورة، فإن هذا المبنى يُعتبر أقدم مسجد معروف فى دولة الإمارات العربية المتحدة.
ويعكس هذا المسجد البسيط مدى انتشار الإسلام ودوره الحيوى فى المجتمع المحلى خلال هذه الفترة التاريخية المبكرة فى الدولة. وترسم هذه الاكتشافات الأثرية إلى جانب بساتين نخيل التمر المعتمدة على مياه الأفلاج صورة أكثر وضوحاً للحياة فى العين فى العصور الإسلامية الأولى، والتى تماثل إلى حد كبير شكل الحياة اليوم.
ويشير اكتشاف المسجد إلى أحد المقومات الرئيسية الأخرى فى مجتمع مدينة العين خلال هذه الفترة، حيث فتح انتشار الإسلام أبواب التبادل التجارى والتواصل الثقافى مع العالم. وبالإضافة إلى الأوانى الخزفية المستوردة من مناطق أخرى فى الخليج العربي، اكتشف علماء الآثار قطعاً من الخزف الصينى فى المسجد والأبنية المجاورة. ويتم إنتاج هذا الخزف الفريد والجميل فى مقاطعة جوانجدونج فى جنوب الصين، وازدهرت تجارته فى شرق آسيا والشرق الأوسط.
وقد خرج التجار والبحارة العرب فى رحلات ومغامرات بعيداً عن أوطانهم من أجل استيراد هذه السلع وتداولها، وهو ما يؤكده اكتشاف حطام سفينة داو شراعية عربية قبالة سواحل إندونيسيا. ولا يعرف خبراء دائرة الثقافة والسياحة على وجه التأكيد ما إذا كان سكان العين قد وصولوا بتجارتهم إلى هذه المناطق البعيدة، لكن الاكتشافات الأخيرة توضح أن المدينة، التى كانت تُعرف حينذاك باسم توام، كانت جزءًا من نظام اقتصادى عالمى نشط. وقد شاركت على الأرجح فى حركة التجارة عبر أحد الموانئ الموجودة فى هذا الوقت، مثل جميرا فى دبى أو جلفار فى رأس الخيمة.
وستسلط الأبحاث المستمرة فى العين ومناطق أخرى فى إمارة أبوظبى مزيداً من الضوء على حياة المجتمع المحلى خلال العصور الإسلامية الأولى. وكان علماء الآثار فى دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبى قد اكتشفوا ديراً مسيحياً يعود إلى هذه المرحلة التاريخية المبكرة فى جزيرة صير بنى ياس. ويؤكد اكتشاف الدير المقومات النبيلة والقيم السامية للمجتمع فى أبوظبى فى هذه الفترة، وأبرزها التسامح وقبول الأديان الأخرى، والتى لا تزال أحد السمات الأساسية للحياة فى دولة الإمارات العربية المتحدة.