وصف رئيس معهد العالم العربى بباريس ووزير التعليم الفرنسى الأسبق جاك لانج، اللغة العربية بلغة العلماء والباحثين والصحفیین والشركات والمبدعین، وبأنها فى حركة وتطور دائم، ولغة نشیطة متصلة تماما بعالمھا المعاصر.
وأكد لانج - فى مقالة نشرها بصحيفة لوموند دعما للتوجه الحكومى الحالى لتعزيز تعلم اللغة العربية فى المدارس الفرنسية - أن العربية أيضا هى لغة العرب مسیحیین ویھود ومسلمین، ولغة المدونین على شبكة الإنترنت، ولغة شبكات التواصل الاجتماعى لدى الشباب، لغة الكتاب والشعراء والفنانین والمطربین، مشددا على كونها لغة حیة عالمیة مهمة ولغة المعرفة التى نشرت خلال قرون طویلة العلم فى أوروبا وخاصة فى فرنسا.
وأضاف لانج: "كما أنها لغة حضارة فى شتى میادین المعرفة والتى بواسطتھا نُقلت معارف الحضارات الإغریقیة والبابلیة والمصریة الفرعونیة وأوروبا الوسطى، تغذى بذلك فكرا علمیا ذاتیا من عداد ألمع وأرقى الحضارات. ومن ھذا التفاعل المتعدد نشأت المدرسة الفرنسیة الشھیرة للمتكلمین بالعربیة".
وذكر لانج أن العالم العربى الیوم ھو شریك مھم جدا لأوروبا وخاصة فرنسا من الناحیة الاقتصادیة والسیاسیة، وبأن أقوى وجود للغة الفرنسیة خارج فرنسا يوجد فى دول العالم العربي، فى المغرب العربى وفى لبنان حیث تعتبر اللغة الفرنسیة الثانیة بعد العربیة.
ولفت إلى وجود عشرات المدارس المتخصصة بنشر اللغة الفرنسیة فى مصر، التى تتقنھا وتتداولھا الطبقات المثقفة على نطاق واسع، مضيفا أن ما یزید عن 500 ألف شخص یتكلمون الفرنسیة فى دولة الإمارات العربیة المتحدة.
كما أشار إلى الطلب المتزايد فى المملكة العربية السعودیة على تعلم الفرنسیة، بينما فى الكویت شجع نجاح الثانویات الفرنسیة على تنمیة مشاریع مدارس جدیدة تعلم البرامج الفرنسیة.
وتسائل رئيس معهد العربى "كيف نجھل بأن المصلحة الفرنسیة تكمن فى تعمیق وتوطید ھذه العلاقات وذلك بتشجیع تعلیم اللغة العربیة فى بلادنا؟ ھناك مثل عربى یقول "ید واحدة لا تصفق".
وأوضح أن تعلم لغة أو عدة لغات أجنبیة أو لغات قدیمة، لیس فقط لا یسئ للغة الفرنسیة ولكن یقویھا ویدعمھا، مضيفا أن دراسات النظام العصبى بينت أن مخ الطفل متعدد اللغات أنشط من الأطفال الآخرین، وبفضل قدرتھم على مقارنة وتحلیل اللغات الأخرى یتملك قدرة استیعاب وسیطرة أفضل للغة.
واعتبر ان الصراع لتعلیم اللغة العربیة ھو فى الحقیقة وجه من وجوه صراع أوسع، صراع التعددیة اللغویة التى تعھد بتطویرھا الرئيس الفرنسى ايمانويل ماكرون، لافتا إلى أن اللغات الأجنبیة لشباب المستقبل، انفتاحا ھائلا ومدھشا على العالم.
وذكر لانج أن المعابر ما بین اللغتین الفرنسیة والعربیة كثیرة، فمنذ الوجود العربى فى إسبانیا وحتى التاریخ الاستعمارى قریب العھد، لم تتوقف اللغة الفرنسیة عن الاغتناء من اللغة العربیة، حيث قال "ھل تعلمون أن اللغة الفرنسیة تحتوى على أكثر من 500 مصطلح من أصل عربي؟ ھل تعلمون بأن اللغة العربیة ھى ثالث اللغات من حیث الإعارة إلى اللغة الفرنسیة بعد الإنجلیزیة والإیطالیة؟"
وشدد على أن هذا یدل على مدى متانة العلاقات التى نُسجت، ومنذ أمد طویل ما بین فرنسا والعالم العربي، وعلى أنه آن الوقت للاعتراف والافتخار بذلك، مشيرا إلى أن الادعاء بكون تعلیم اللغة العربیة سببا فى تغذیة روح الانتماء الطائفى أو التجھیز لتعریب وأسلمة المجتمع، ما ھو إلا فكرة سخیفة حمقاء خالیة من أدنى مستویات العقلانیة.
وتابع قائلا: "الرھان بالضبط ھو الإصرار على بقاء اللغة العربیة داخل إطارات المؤسسات الجمھوریة. وتطور تعلیم اللغة العربیة فى مدارسنا، ھو خلق الأجواء المناسبة لتعلیم حقیقى علمانى للغة العربیة، یتماشى مع مقومات الجمھوریة الفرنسیة، أى بالعكس تماما بما یطالب به تجار الخوف".
وحذر رئيس معهد العالم العربى من أن التخلى عن تعلیم اللغة العربیة لصالح جمعیات متطرفة يسهم فى الخلط ما بین اللغة والدین مما یمكنه تشجیع وتغذیة تربة الانطواء الطائفى أو التعصب الممیت.
وأضاف: "یجب أن یكون لدینا الجرأة لنقول عالیا إن تطور تعلیم اللغة العربیة فى مدارسنا ھو أمر عاجل لطلابنا، عاجل لمجتمعنا، عاجل لجمھوریتنا. ھكذا قررت، انطلاقا من اقتراحي، حكومة جوسبین عام 2001 تعلیم اللغة منذ السن المبكر من المرحلة الابتدائية، مرحلة تعلم تمتد حتى ابتداء المرحلة الجامعیة، وتھیئ أماكن للغة العربیة فى الشھادات الرسمیة لتعلیم اللغات".
وأشار إلى أنه یجرى تعلیم اللغة العربیة فى معهد العالم العربى بمهارة وكفاءة وإقدام من قبل الجمهور كبارا وصغارا، ومنھم من لیس له علاقة عائلیة بالعالم العربي.
وأكد أن معهد العالم العربى بباريس بصدد مشروع تصدیق شھادات للغة العربیة معترف بھا دولیا، على غرار (TOEFL) وهو اختبار اللغة الإنجلیزیة للناطقین بلغات أجنبية (والتى لاقى صدى واسعا وإیجابیا فى فرنسا والعالم بشكل عام).