"كنا غزاة وأبطالا صناديدَ.. صرنا لرجع الصدى فى الغرب ترديدا.. لكننا سوف نعلو رغم أنفِهِمُ.. ويكون يوم نشورنا فى الكون منشودا" هذا جزء من القصيدة الأولى التى كتبها سيد حجاب إلى الطفل البورسعيدى الشهيد "نبيل منصور".
ولد الشاعر الكبير سيد حجاب فى محافظة الدقهلية فى 23 سبتمبر 1940 وبدأت موهبته الشعرية مبكرا، وقد كان سيد حجاب يخفى عن والده ما يكتبه حتى أطلعه على أول قصيدة كتبها عن الشهيد "نبيل منصور" فشجعه والده حتى دخل المدرسة وصادق الأستاذ شحاتة سليم نصر، مدرس الرسم والمشرف على النشاط الرياضى والذى علمه كيف يكتب عن مشاعر الناس فى قريته.
الديوان الأول لـ سيد حجاب هو "صياد وجنيه" والذى احتفى به المثقفون فى منتصف الستينيات وبعدها ظهر اسم "سيد" عبر مجموعة من البرامج الإذاعية الشعرية منها بعد التحية والسلام وعمار يا مصر وأوركسترا، وكان عبد الرحمن الأبنودى يقدم معه برنامج بعد التحية والسلام بالتناوب كل منهما يقدمه 15 يوما وبعد فترة انفصلا وبدأ كل منهما يقدم برنامجا منفصلا.
شارك سيد حجاب فى الندوات والأمسيات الشعرية والأعمال التليفزيونية والسينمائية وقدمه صلاح جاهين لكرم مطاوع ليكتب له مسرحية حدث فى أكتوبر وعندما دخل الشاعر سيد حجاب مجال الأغنية غنى له عبد المنعم مدبولى وعفاف راضى وصفاء أبو السعود، ثم كتب أغانى لفريق الأصدقاء ثم كتب ألبومين للأطفال هما أطفال أطفال وسوسة.
لحن له بليغ حمدى أغنيات لـ "على الحجار وسميرة سعيد وعفاف راضى" وقدم معه على الحجار "تجيش نعيش" وكتب لمحمد منير فى بداياته أغنية "آه يا بلاد يا غريبة" فى أول ألبوم له ثم 4 أغنيات فى ألبومه الثانى ثم كتب أشعار العديد من الفوازير لشريهان وغيرها بجانب العديد من تترات المسلسلات منها : ليالى الحلمية والمال والبنون وأرابيسك والعائلة والأيام وعصفور النار وقال البحر والوسية وأميرة فى عابدين وبوابة الحلوانى وكناريا وشركاه وشرف فتح الباب والحقيقة والسراب.
نعود مرة أخرى إلى "نبيل منصور" والذى حدث أنه يوم الثلاثاء 16 أكتوبر 1951، كانت تمتلئ شوارع مدينة بورسعيد بالمُتظاهرين وكانت الأخبار التى يتناقلها الأهالى بينهم هى سقوط 5 شهداء، وجرَح الكثير، فتوجّهت المظاهرات إلى معسكر "الجولف" مكان تواجد الجنود الإنجليز بالمدينة، الذى كان يقع خلف موقع محطة السكة الحديد.
وحسب كتاب "الوجه الآخر للميدالية .. حرب السويس 1956" لـ يحيى الشاعر، فإن الإنجليز أطلقوا فى الهواء قنابل الفوسفور الضوئية المتعلقة على مظلات صغيرة قلب ضوؤها سواد الليل العميق إلى نهار سطع نوره بشكل قوى واضح حتى يتمكنوا من مراقبة الشباب الغاضب والتصرف، وفجأة سمعت طلقات مدافع رشاشة عالية الصوت وصوت المتظاهرون وهم يهرولون ناحية السور الشائك ويهتفون بحياة مصر.
وقبل ذلك بساعات، دخل الطفل، نبيل منصور، تلميذ المدرسة الابتدائية، الذى لم يكُن يتجاوز عمره 11 سنة، إلى معسكر "الجولف" تخطّى الأسلاك الشائكة، ومعهُ قطع القماش المغموسة فى الكيروسين والتى جعلها كرات صغيرة، وأشعلها ثم قذفها على خيام الجنود الإنجليز النائمين بالمعسكر وهو يجرى بجسده الصغير بين الخيام متنقلا من خيمة لأخرى ينشر فيها النيران، وسُرعان ما تحول المعسكر إلى جحيم.
وحين نفدت منه قطع القماش خلع جاكيت بيجامته بسرعة، ومزقها وأشعلها وقذف بها الخيام إلى أنّ احترقت، انتشر الذعر بين الجنود الإنجليز الذين خرجوا من الخام مذعورين يبحثون عن الذى حول معسكرهم لما يشبه الجحيم.
ويقول يحيى الشاعر فى كتابه "تمكنت من التسلل إلى خارج المنزل بينما كان والدى يؤدى صلاة العشاء، وهرولت فى اتجاه معسكر الجولف كغيرى من العديد من المواطنين، المتجهين إلى الأرض الفضاء الواقعة شمال السور الشائك للمعسكر بالقرب من تقاطع شارع كسرى المعاهدة على الجهة الغربية من مبنى السكة الحديد (بالقرب من مبنى شركة الثلج) وهناك وجدت الناس يتجمعون حول شىء على الأرض، وسط أصوات البُكاء الحزين، كانت تتمدّد جثة نبيل الهامدة، إلى أن تردّد صوت سيارة الإسعاف الإنجليزية التى أتت من بعيد، فلم يكُن يتواجد غيرها هناك، وغادرت بعدها سيارة الإسعاف مكانها، وانطلقت فى طريقها إلى مشارح مستشفى «الأميري»، لتسلم حمولتها، فيما هرول خلفها العديد من المواطنين، فاختلط صوت البُكاء بالعويل والصراخ، حُزنًا على الطفل الشهيد.