إن أكثر ما تعانى منه المجتمعات العربية هو وجود العقلية السلفية التى تظهر فى شكل التكفير والإرهاب تجاه الآخر، خاصة فى ظل سعى العديد من المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية وكذلك الجماعة السلفية التى لا هم لها إلا تدمير مصر.
فى كتاب "تجديد الفكر الدينى"، الصادر عن منشورات بتانة، فى طبعته الثانية والمنقحة والمزيدة، يضع الكاتب والمفكر نبيل عبد الفتاح يده على مفاتيح القضية بكافة أبعادها، ويخبرنا فى الفصل "العقل السياسى الإخوانى والسلفى" بكيفية تشكيل هذه العقول.
يقول نبيل عبد الفتاح: لقد ساعدت البيئة الدينية المحتقنة والمتوترة على نمو الجدل حول مدى شرعية الدولة الحديثة، ونظامها القانونى، ونمط الحياة من منظور ذهنية نقلية وسلفية وإخوانية، أخذت فى بعض من التمدد والهيمنة.
إن نظرة على بعض المكونات التأسيسية للعقل السياسى الإسلامى لدى الإخوان وبعض السلفيين تشير إلى ما يلى من ملاحظات على سبيل التمثيل لا الحصر فيما يلى:
1 – السمت اللا تاريخى فى مقاربة الموروث الدينى الفقهى والإفتائى والدعوى الوضعى، من خلال استعادة ذلك، مع بعض التداخل بينه وبين دعاة الطرق، وبعض رجال ونساء الدعوة الإسلامية، دونما مراعاة السياقات التاريخية والمشكلات المجتمعية والنفسية والقيمية، الذى أنتج فى إطارها بعض الموروث، وتجاوزته الأزمنة ومتغيراتها.
2 – السمت الشعارى الذى يركز على ترويج هذه الأفكار البسيطة، وبدت من خلالهم وكأنما تمثل جوهر الإسلام العظيم العقيدة والشريعة والقيم العليا والتراث الثقافى المتغير.
3 – السمت الاختزالى للجوانب المركبة والمعقدة للنظام العقدى والشريعى والقيمى، بهدف الدعوة والانتشار وسط الجمهور والعوام وبعض المتعلمين.
4 – الميل إلى الزجر وإشاعة الخوف من السلوك الذى يخرج المسلم من دائرة الإيمان إلى دائرة الكفر، وسهولة استخدام هذه الآلية فى الحكم على الآراء الأخرى أو المغايرة. والأخطر سهولة وصم بعض المثقفين والمفكرين المسلمين بأنهم علمانيون، وتأثيم وتكفير العلمنة والعلمانيين، فى حين أن الأغلبية الساحقة منهم مؤمنين بالله ورسوله واليوم الآخر، وكل الفرائض الإسلامية، ولكنهم لا يريدون تدنيس المقدسات والعقائد بدنس السياسة ومخاتلة السياسيين وبعض رجال الدين الساعين إلى مصالحهم وأغراضهم الخاصة أو التنظيمية، وفى مواجهة سعى بعضهم إلى تحويل الدولة إلى دولة دينية تميز بين المواطنين على أساس تصوراتها الأيديولوجية حول الدين، وبعضهم الآخر يرى أن الإسلام لا يدعو إلى سلطة دينية أو مؤسسة تلعب دور الوساطة فيما بينهم وبين الله سبحانه وتعالى.
5- تغلب العقل الدعوى الشعاراتى على العقل الفقهى؛ لاعتبارات التعبئة والحشد، وتغيير المجال العام المحاصر سياسيا، وتحويله إلى مجال عام محمل بالرموز والشعارات، والزى واللغة الدينية، وهو ما تم بالدأب والحركة والمناورة قبل 25 يناير 2011، حيث سادت الشعارات الدينية حول الحجاب والنقاب والصلاة، والدعوات، وفى كافة تفاصيل الحياة اليومية للفرد.
تراجع العقل الفقهى عموما إلا من بعض القلة من المحافظين، لأن تكوينه يحتاج إلى تكوين ودأب وصبر عموما، فما بالنا بالعقل الفقهى التجديدى.
6- العقل الدعوى لا يحتاج إلا بعضا من المعرفة العامة والمبتسرة، وخطابا بسيطا على تناصات وتضمينات بين اللغة الفصيحة القديمة، للإيحاء بعمق معرفته وأصالته فى أصول الدين والفقه، مع بعض من اللغة العامة، وبعض الأمثولات الشعبية، ونثارات من مخزون التدين الشعبى، لتيسير التداخل والتواصل مع عوام الجمهور.
هذه الخلطة من المقولات أعطت لخطاب دعوة الطرق – من السلفيين وسواهم – ذيوعا وانتشارا بين الجهمور، وأشرطة الكاسيت فى عربات النقل العام بين المحافظات، وفى المايكروباصات و"التوك توك".
7- التمدد السلفى ودعاة الطرق، أدى إلى خلق أرضية وبيئة ملائمة لحركة الإخوان، وبعض الجماعات الإسلامية للتحرك والدعوة والتجنيد لأعضاء جدد من الشباب، انخرطوا فى هذه الجماعات، وتبنوا مقولاتها الدعوية ومشروعها السياسى، ونزع بعضهم إلى التكفير والدعوة إلى الجهاد، وضرورة تغيير المنكر باليد واللسان والعنف.
من ناحية ثانية: قامت جماعة الإخوان بالنفاذ إلى قلب النقابات المهنية العامة، ولدى بعض العناصر فى القواعد العمالية، وركزت على بناء شبكات للرعاية الاجتماعية حلت بديلا عن الدولة والنظام الذى تبنى المشروع الخاص، وبيع شركات القطاع العام فى إطار ما سمى بسياسية الإصلاح الاقتصادى، وتراجع مستوى ومحتوى السياسات الاجتماعية.