ينفرد انفراد بنشر تقرير حركة الترجمة فى الوطن العربى، والذى أعده اتحاد الناشرين العرب عن العام الماضى 2017، لرصد صناعة النشر.
وجاء فى التقرير: تمثل الترجمة مقياسا لمدى تفاعل أى مجتمع مع العالم المحيط، وكذلك مقياسا لمدى طموح هذا المجتمع لنمو المعارف والعلوم فيه، بل وقدرته على ملاحقة الجديد فى كل مجالات العلوم، فالترجمة تجدد البنية الذهنية للمواطن العربى، وتطمح كل بلدان العالم النامى إلى نقل كم متزايد من المعارف والعلوم إلى لغاتها، وتمثل اللغة الإنجليزية 85% من جملة الرصيد المعرفى فى العالم، لذا زادت أهمية الترجمة فى الوطن العربى، وبرزت العديد من التجارب فى هذا المجال، لكن شهد العامين 2012م و2013م، تراجع دور المركز القومى للترجمة فى مصر فى هذا المجال فى حين برزت مؤسسات أخرى، إلا أنه فى عام 2014م شهد المركز القومى للترجمة تصاعدًا فى إصداراته مع ارتفاع جودة الترجمة.
هنا يبدو القياس الصعب أيضًا إذ تتجه حركة الترجمة إلى العربية على الرغم من نموها وتعدد المؤسسات ودور النشر المعنية بها إلى أن تكون تحديًا شديد الوطأة يجعل منها كابوسًا تحتاج معالجته إلى تدخل حاسم من الدول سواء لتعزيز المؤسسات العامة والإقليمية العاملة فى هذا المجال أو لدعم جهود دور النشر الخاصة فى هذا المجال، هنا تبرز دور نشر كالعبيكان، وجرير، ودار الكتاب العربى، والساقى، وغيرها، كمساهم فى هذا المجال من النشر، وإن كانت تركز بصورة أساسية على الأدب والسياسة وعدد محدود من التخصصات، فأرقام الكتب المترجمة فيها لا تقارن بغيرها.
ويبين لنا المسح أن مشروعات الترجمة وسلاسلها كانت أكثر جدية فى تقدم العلوم الإنسانية والتطبيقية بصورة تسهم فى إحداث نقلات نوعية فى الوطن العربى فى هذا المجال، ولولا بعض المشروعات الناجحة فى الترجمة خلال السنوات الأخيرة لانعزل العرب عن تطورات الفكر والثقافة وتطورات العلوم والتكنولوجيا، ومن أنجح هذه المشروعات:
- المركز القومى للترجمة (مصر): شهد المركز تراجعًا فى النشر بنسبة تصل إلى 70% خلال العام 2012 وإلى منتصف العام 2013، إلا أنه مع تغيير الإدارة وتولى الدكتور أنور مغيث إدارته شهد قفزة نوعية فى النشر.
- مشروع كلمة (أبو ظبى): يهتم هذا المشروع باختيار موضوعات نوعية مفيدة للباحثين وحتى للصناع على غرار تطور الأثاث، مع الاهتمام بمجالات غير مطروقة عربيا ويتزايد إنتاج هذا المشروع سنويًّا.
- عمادة شئون المكتبات- جامعة الملك سعود: اتجهت عمادة شؤون المكتبات بجامعة الملك سعود إلى ترجمة العديد من المراجع الهامة فى المجالات العلمية المختلفة خاصة الطب والكيمياء والفيزياء، فقامت بترجمة العديد من الكتب الصعبة حتى على المتخصصين وهو أمر يحسب لها. كذلك كان للتأليف العلمى نصيب من برامج العمادة وهو أمر تسد به ثغرات لا تقوى عليها دور النشر الخاصة.
لكن خلال الأعوام 2012:2014 برزت فى العالم العربى الترجمة العربية لمجلة Nature المتخصصة فى الجديد فى كافة مجالات العلم الطبيعى، وجمع نشر ترجمة المجلة بين النشر الورقى والرقمى، وحصد كلاهما أرقامًا غير مسبوقة سواء فى التصفح عبر الإنترنت أو فى أعداد التوزيع، وتميزت هذه التجربة عن غيرها بناء شبكة من جيل جديد من المترجمين المتخصصين فى مختلف مجالات العلوم بدقة ترجمة المصطلحات العلمية فضلاً عن جودة الموقع وجودة إخراج المجلة وهو ما جعل لها شعبية واسعة فى أوساط طلاب العلوم العرب والأكاديميين الشباب.
- المنظمة العربية للترجمة حيث قامت المنظمة بترجمة العديد من الكتب إلى العربية، أغلبها كان جديدًا فى العربية ويتميز بصعوبة موضوعاته، إلا أن هذه الترجمات سدت فراغ فى مجالات التخصص الخاصة بها، كما أن المنظمة تصدر مجلة "العربية والترجمة"، وهى مجلة علمية فصلية تعنى بمسائل الترجمة واللغة وتندرج فى إطار السعى إلى تطوير ترجمة عربية نوعية والدفع بها إلى أقصى ما يمكن، ففى "العدد 11" الذى صدر فى خريف عام 2012م، نجد موضوعات تتعلق بتقنيات الترجمة مثل "ترجمة المجاز" الذى أعدته سعيدة كحيل، و"الترجمة الآلية.. لغة الإنترنت العالمية" لطارق إبراهيم، و"الترجمة عبر الثقافة اللغوية" لحيدر حاج إسماعيل، وبذلك يتجاوز دور المنظمة من مساهم فى حركة الترجمة، إلى معالج للمشكلات التى تواجه المترجمين، عبر مناقشة هذه المشكلات من خبراء يتعرضون إلى حلول لها تفيد فى بناء قدرات المترجمين وتجود الترجمة إلى العربية، وتتميز المنظمة العربية للترجمة عن غيرها من المنظمات بأن لديها برنامج نشر واضح للكتب المترجمة خلال السنوات المقبلة.