موسى حوامدة: لكى تكون عربيا جيدًا يجب أن تكون مصريًا جيدًا.. أحببت جمال عبد الناصر حتى حدثت الهزيمة.. ولم أعش طفولتى أبدا.. لا يمكن لشاعر أن يكتب عن وطنه وهو جائع.. وفلسطين بداخلى "حلم"

فى معرض عمان الدولى للكتاب، كان الرجل يدور مثل نحلة، من ندوة شعرية، إلى لقاء مع المثقفين، تراه فى الجناح المصرى للاطمئنان على أصدقائه المصريين، يعرض خدماته عليهم ويساعدهم إن احتاجوا، قابلته للمرة الأولى، بعدما انتهى من أمسيته الشعرية. صوته "رخيم" وكأنه لا يزال يلقى قصائده، ثورى فى أحكامه وطباعه، صادق فى تعبيره، وعندما جاء الحديث عن الموت والوطن والطفولة المفقودة، توقف قليلا عن الإجابة كأنه يتذكر.. إنه الشاعر الأردنى الكبير موسى حوامده. هو أردنى، ذو أصول الفلسطينية، محب وعاشق لمصر، التقيت به، على هامش مشاركة مصر ضيف شرف معرض عمان الدولى للكتاب، وكان معه هذا الحوار: كتبت أكثر من قصيدة عن الموت، وتنوعت قصائدك عن ذلك المجهول، ما التساؤل التى تبحث عنه فى قصائدك هذه؟ الموت السؤال الأصعب الذى يواجه البشر، نشاهد موت الآخرين، لكن نادرا ما يشعر الإنسان بأن الموت سيأتيه، نحن نرثى كل يوم موت الآخرين، الإنسان لن يرى موته، هذه حقيقة الغائبة لكنها حقيقة، فأنت تشهد أحبابك يموتون أمام عينيك ولكن الشىء الأهم أنك لا ترى موتك أنت، كما أن الموت لدى مرتبط بعدم وجودى فى مسقط رأسى وأرضى، وأننى لم أعد إلى فلسطين، فغياب الوطن وغياب المكان، إذا البديل هو الموت، والموت هو الفقد، وهو أن تفقد وطنك، وتفقد أهلك، أنا بدأت أفكر فى الموت، وأكتب عنه بعد وفاة أمى وأبى فى نفس الشهر عام 2003. والموت بالنسبة إلىّ سؤال فلسفى، فما هو سر الحياة، لماذ يولد الإنسان، ثم يرى الحياة، ثم ينتهى بالموت، كثير من الطاقات الإيجابية والشعراء والعلماء، سرقهم الموت، إذا نحن فى مشكلة مع الزمن، الزمن هو أكبر لص، يسرق دون أن تشعر، الإنسان يوميا فى صراع يومى مع الحياة، لكنه فى النهاية لا يعلم نهاية هذا القدر، أنا كتبت فى مرة "أننى عندما أموت ينتهى العالم على الأقل فى نظرى"، وكلنا إلى زوال، ومهما حاول الإنسان أن يكون لطيفا وكوميديا ينتهى إلى التراجيديا، لذلك ترى المسرح الإغريقى كله مبنى على التراجيديا، وهى الأساس، وليس الفرح. فى حديثك عن طفولتلك والوطن.. هل تبحث فى قصائدك عن طفولتك المفقودة؟ أنا ولدت فى فلسطين وظللت فيها حتى سن الثانوية، ثم خرجت بعد ذلك للأردن، فى سن الرابعة وجدت جزءا من قريتى مدمر، بدأت حينها أعرف معنى "محتل" وأن وطنى مقسم، بدأت أعرف اسم فلسطين، وكنت أعشق اسم جمال عبد الناصر، هذا القائد القادر على تحرير أرضنا، وبعد فترة رأيت قريتى تهدم على يد الجيش الإسرائيلى، ثم رأيت نكسة 1967، وكيف اختفينا، وهذه الطفولة كانت كلها احتلال وضياع وتهديم للبلد، وعندما يكون الطفل صغيرا، ورقة بيضاء يعنى، تلتصق به الأشياء، فالتصقت بى هذه الأمور بالطبع، وانتهت الطفولة ولم أعشها ولم أعرف معنى الطفولة. وماذا عن الوطن؟ الإنسان يحتاج إلى وطن ليس لكى يتباهى به، ولكن لكى لا يكون لديه هذه العقدة بأن يحب وطنه بعجره وبجره كما يقولون، وأن تحب وطنك بمساوائه، أنا لم تتح لى فرصة ألا أحب وطنى لأنه محتل، أنا تمنيت لو أننى كنت مثل الشعراء الذين يشتمون وطنهم، لأنهم يبحثون فيه عن الأفضل وهى موجودة كاملة، فالإنسان يبحث عن النقص ويرى النقص، وهذه أنا حرمت منها، حرمت أن يكون لى وطن، وطنى متشظى، مفتت، وطفولتى مشتتة، ويمكن هذا ما جعلنى أتمسك ببعض الكلام، والكتابة لأنى لجأت إلى الحلم، حتى أننى استطيع مقاومة الدبابات الإسرائيلية الكاتمة على صدرى بالحلم، وأتخيل أنى سوبر مان، بعد الحلم أتجه إلى الخيال، التخيل، وقد ساعدتنى قراءة ألف ليلة وليلة فى التخيل، وصرت أتخيل، وصرت بالكلمات أعيد الوطن، وأذكر فلسطين، إن هذه الوطن لم يذهب، وهو موجود، وسيظل وسيصمد. بصفتك أحد شعراء المقاومة الفلسطينية.. لماذا خف وهج قصائد المقاومة فى السنوات الأخيرة؟ الأمة العربية الآن صار فيها انكسار صار فيها هزيمة، وصارت هناك تحولات كثيرة فى المجتمعات وابتعاد عن القضايا الكبرى، وقضية الوحدة، وأصبح هم الإنسان، اقتصادى، فالمواطن العربى مطحن بالقروض والغلاء، والانكسارات الكبرى التى حدثت والمد الدينى الذى أصابنا، بجانب خوفنا من المستقبل وغياب الطموح، وبالتأكيد صار الشاعر يبحث عن هم الإنسان عن هم الوجود، وصرت أسأل أسئلتى كإنسان. أنا فى البداية إنسان ثم أنا عربى، ثم هناك فلسطين، فلا يمكن أبدا أن أفكر فى تحرير فلسطين وأنا جائع، أو وأنا أسير أو معتقل، ولهذا أنا لا ألوم الشعب العربى، وبالتأكيد صار هناك ابتعاد عن قصيدة المقاومة لأننا الآن نبحث عن الخبز، وعن الكرامة والحرية والعدل، وهناك تخريب مقصود من جانب الكيان الصهيونى، بأن يفقد العربى الثقة فى عروبته وفى جاره العربى، وحتى فى نفس البلد الواحدة، وصرنا كأننا فى عزلة. وبرأيك ما الدور الذى يقدمه الشعر فى ظل تلك الأزمات؟ الثقافة والشعر فقط هما الحصن الأخير وهما من يستطيعان أن ينقذونا ويخرجونا من عنق الزجاجة لنواكب العصر ولنعود إلى قضايا وإلى اهتماماتنا بعد خراب التعليم والاقتصاد، لكن الشعر ضمن منظومة أدبية متكاملة وهو ليس استثناء، ولا يصنع وحده حياة، أنت تريد موسيقى، تريد فن تشكيلى، تريد رقص، وتريد كل الفنون، وتريد تعليما، النهضة أو الثورة التى تجب أن تتوفر فى كل مناحى الحياة، لكننا الآن تركنا كل شىء، وأصبحنا نهتم بالسرد والرواية فقط، وإضعاف الفنون الأخرى، إضعاف النقد وإضعاف الشعر وإضعاف كل الفنون الإبداعية والفنية، فى صالح السرد، كل إنسان يكتب سيرته هو يكتب روايته هو، وهذا فيه عزله، كما أن تعاقب الأجيال بشكل سريع، أصبح كل 5 سنوات هناك جيل جديد. أنت تكتب النثر والتفعيلة.. ما الأقرب إليك كشاعر؟ أنا بدأت بالتفعيلة والآن أنا أكتب النثر، ولأننى أومن بضرورة تغيير الذائقة العربية، فى النظر للتراث والنظر للشعر، لأن هذه الأذن العربية ما دامت نائمة على الوضع الفراهيدى، مع الاعتذار لابن أحمد الفراهيدى، سنظل نائمين، لأن رتم الحياة عندنا بطىء وممل، لكن قصيدة النثر حررتنى من هذا الشىء، النثر جعلتنى أفكر أكثر، جعلنى أكسر التابوهات، جعلتنى أكثر التفاعيل، ولابد أن نكسر جميع التابوهات، من أجل تغيير الذائقة وتغيير العقلية السائدة، ولذلك ذهبت إلى النثر، لا للتطريب والتفعيلة، وأنا أستطيع أن أكتب العمودى، والتفعيلة، وأتقن الوزن والعروض، لكنى أومن بضرورة تحول الكتابة الشعرية إلى قصيدة النثر، لأنه لا بد للشعر العربى أن يكون كتابا مدونا، وليس قصائد تلقى على الجمهور، ولابد من نقل العالم العربى من المرحلة الشفائيه والحكاواتية، إلى مراحل التدوين والكتابة، لأنها أكثر رسوخا والأقرب للحضارة والأقرب للنهضة. صدر لك أربع دواوين فى مصر.. لماذا تحرص على طباعة أعمالك فى القاهرة؟ مصر هى الحاضنة الكبرى، وأنا أشعر أن تطورى يجب أن يكون فى مصر، لأن مصر حاضنة العرب كلهم، وهى البلد الوحيد التى لا تضيق بالعرب، وكأنه يعود لرحم أمه، لا تضيق بنتاجك مثل الأقطار الأخرى، ومنذ الصغر أول حاجز ثقافى وعيت عليه كانت هى مصر، ولأن تكون عربيا جيدا، لابد أن تكون مصريا جيدا فى البداية، لا يمكن أن تكون عربيا، دون أن تحب مصر وأن تعرف كتاب مصر، وفى النهاية صرت أرتاح نفسيا للطباعة فى مصر، وحتى الكتاب القادم سوف أطبعه فى مصر، ومصر حاضرة فى كتاباتى وفى أشعارى، ليس للشهرة ولكن من أجل الارتياح، والمسئولون يعاملون الكتاب العرب والأردنيين بشكل محترم، وفى النهاية أنا أغلب أصدقائى مصريين، وعندنا أذهب إلى القاهرة، لا أشعر بالغربة.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;