قالت الناقدة الدكتورة الأردنية خولة شخاترة، إن نقاد الأدب اليوم يفتقرون لأسلوب عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين، فى كيفية الوصول إلى القراء غير المتخصصين.
"انفراد" التقى على هامش معرض عمان الدولى للكتاب، فى دورته الـ18، بالناقدة الأردنية الكبيرة الدكتورة خولة شخاترة، واستطلعنا رأيها حول المشهد النقدى ورؤيتها للساحة العربية والثقافية خلال الفترة الأخيرة، والجوائز الأدبية، وكان هذا نص الحوار:
كيف تقرئين المشهد النقدى؟ وهل هناك أزمة نقد فعلًا وما أسبابها؟
نلحظ ثلاثة مشاهد - إذا جاز التعبير- تسيطر على المشهد النقدى المشهد الأول هو الصحفى وهو أشبه بالمتابعة الصحفية لما يصدر من أعمال أدبيه ويقوم على القراءة السريعة وتقديم عرض موجز للعمل الأدبى، وحتى هذا الجهد المتواضع يغلب عليه العلاقات شخصية أو متايعة أعمال الكتاب المشهورين.
المشهد الثانى وهو النقد الأكاديمى وهذا محصور داخل أسوار الجامعة على الأغلب ويتم نشر هذا النقد فى المجلات المتخصصة والمحكمة أو فى المؤتمرات، ولا يطلع عليه إلا طلبة الدراسات العليا وبعض المهتمين.. طه حسين وكثير من الباحثين الذين عاصروه كتبوا نقدا قد لا يرقى إلى النقد المتخصص ولكنه كان يصل إلى المثقف العادى أو المتعلم، ويتجاوز تأثيره إلى البلاد العربية على الرغم من ضعف وسائل التواصل والاتصال فى ذلك الوقت وربما هذه الفكرة أشار إليها من قبل الدكتور محمد عبد الباسط عيد .
هناك مشهد آخر يتابع ما ينشر ويكتب دراسات جادة ليست بالضرورة أكاديمية صرفة لكنها جادة وعميقة وموجودة فى كل البلاد العربية وربما أتاحت المواقع الإلكترونية متابعتها، ربما لا تحظى بالتغطية الإعلامية لكنها موجودة، ولكن لا يعنى أن النقاد الحقيقين غير موجودين لكنهم بحاجة إلى وقت وجهد وإعلام ودعم حقيقى.
هل تعتقدين أن الإنتاج الأدبى الكبير يضاهيه إنتاج وقراءات نقدية؟
النقد لا يجارى الإنتاج الأدبى ولا يتابعه مثال: الإنتاج الروائى الغزير من الصعوبة بمكان متابعة هذا الإنتاج، وغربلته، وزاد من هذه الصعوبة الجوائز كانت السبب ودفعت البعض إلى ترك الشعر والذهاب إلى يذهب الرواية فما بالك بالأجناس الأدبية الأخرى.
بإشارتك إلى الجوائز الأدبية وبصفتك ناقدة.. كيف أثرت تلك الجوائز على الحركة الأدبية؟
الجوائز مثل كتارا والبوكر والجوائز الأخرى؛ إذ أصبح بعض الروائيين، وبعض الشعراء يكتبون لأجل الفوز بجائزة من هذه الجوائر.. تحقق شروط الجائزة لكنها ربما لا تحقق شروط الأدبية.
كما أن بعض النقاد يلاحق الأعمال الفائزة وتحظى باهتمامهم ودراساتهم. مع الإشارة إلى ما يشوب هذه الجوائز من علامات الاستفهام وبعض الأسماء التى فازت كانت ضعيفة، كما أن بعض النقاد اكتسبوا شهرة من المشاركة فى تحكيم هذه الجوائز.
وكيف نخرج من هذه الأزمة من وجهة نظرك؟
لا يوجد وصفة طبية جاهزة لهذه الأزمة لأنها مرتبطة بالمجتمع، والمجتمع الآن يعيش أزمات: أزمة بالسياسة وأزمة بالاقتصاد.. إلخ فلا تنتظر أن يكون المشهد الثقافى سليما معافى. أهم شئ للخروج من هذه الأزمات هو الوعى بوجود أزمة فى كل مناحى الحياة، ثم التنوير. وأهم من هذا كله أن يشعر المواطن العربى أنه يستحق الحياة ويستحق الأفضل. فإذا شعر المواطن بأهميته تنفتح أمامه آفاق أخرى للثقافة والعلم، وتتسع اهتماماته من مجرد السعى وراء لقمة العيش. يضاف إلى ما سبق حرية التعبير.
وما هو حجم القراءة الآن ووضع المشهد الثقافة فى الأردن؟
النظرة العجلى تشير إلى مفارقة بين عدد الجامعات والمدارس وعدد المهتمين بالقرءاة، كانت المدارس أقل والجامعات لكن كان هناك رغبة بالتغيير ورغبة بالمعرفة، لاسيما أن الجامعات الآن تخرج موظفين، لكننا لا نملك احصائيات دقيقة حول نسبة القراءة بين الناس فى الماضى والحاضر، فهناك انطباع يصل حد الاتهام عند الناس أن هذا الجيل لا يقرأ، أو ظاهر (الانصراف عن القراءة) هذا الرأى يصدر من الجيل الأكبر سنا تجاه هذا الجيل، لكن هذا الاتهام لا يستند إلى بحث ميدانى حقيقى ولا إلى رغبة بمعرفة النسبة الحقيقية.
ربما اختلفت اهتمام القراء لكن الرغبة بالقراءة موجودة، لكن ربما اختلفت الطريقة خاصة مع توفر الكتاب الإلكترونى. لكن هناك فئة ليست مدروسة بشكل جيد ولم تاخذ حقها من الاهتمام وهى فئة أندية القراءة، وفى فئة تقوم بحلقات نقاشية حول كتاب كل شهر تقريبا، وتحدد أوقات معينة للمناقشة،وتتنوع هذه الكتب بين الأدب والفلسفة والفكر.. ولهم صفحات ومجموعات على الفيس بوك تناقش وتحاور وكلهم من فئة الشباب وهم جادون ومنظمون وفعالون. لكن كم واحدا كتب عنهم؟ هذه الأندية تنفى مقولة أن هذا الجيل (صايع).
يرى البعض أن الحركة الأدبية العربية مرتبطة بالخطاب السياسى منذ عشرينيات القرن الماضى على الأقل.. كيف بلغ هذا الحد من التبعية فى السنوات الأخيرة؟
تأريخ الحركة الأدبية كان مرتبطا بالسياسة، وكل العصور كانت مرتبطة بالسياسة، أما الآن فالنقاد المكرسون ربما هم من يهتمون بالخطاب السياسى لأن الإعلام يركز عليهم ويعطيهم الصدارة.
من أبرز الروائيين الآن فى الأردن؟
توجد بعض الأسماء المهمة مثل هاشم غرايبة وإبراهيم نصر الله، جلال برجس، جمال ناجى الذى توفى قبل أشهر وسميحة خريس، الشخصية المكرمة فى معرض عمان لهذا العام، كفى الزعبى ..وغيرهم.
حديثنا عن جديد أعمالك النقدية المنتظر صدورها قريبا؟
أعمل على بحث موسع حول الرواية والتاريخ، وهو يتحدث عن روايتين مهمتين لكنهما لم تجدا الاهتمام النقدى اللائق بهما، وهما: رواية "دير ورق" لمحمد رفيع ورواية "وادى الصفصافة" لأحمد فراس الطراونة، هاتان الرويتان مهمتان لأن كل رواية تعرض جانبا مغيبا من تاريخ الأردن الرسمى، وهى مرحلة ما قبل الدولة الأردنية. لقد درسنا هذه المرحلة فى الدول العربية المجاورة سوريا لبنان فلسطين، لكننا لم ندرس المرحلة ذاتها فى الأردن، مع الإشارة إلى أن وادى الصفصافة تتحدث عن واحدة من الثورات ضد الأترك وتعرف بـ"هية الكرك" أو ثورة الكرك وقد سبقها ثورة الشوبك ومادبا وكل هذه الثورات حدثت فى الأردن وسبقت الثورة العربية الكبرى وكان الأولى أن ندرسها قبل الثورة العرابية الكبرى ضد العثمانيين التى مهدت لقيام الأردن الحديث.
الرواية الثانية تتحدث عن انتقال المسيحية من منطقة "وادى ورق" القريبة من المفرق إلى مدن وقرى أردنية مثل الحصن والسلط وعجلون، لأسباب سياسية اجتماعية، ومرحلة انسحاب الدولة العثمانية من مناطق عديدة فى بلاد الشام عامة، ومنها الأردن، وتشير إلى تدخل حركات التبشير فى الاردن مما كان سببا فى تغيير الطائفة المسيحية السائدة إلى طوائف جديدة، هذه المرحلة غنية لا نعلم عنها إلا شذرات قليلة، فجاءت الرواية كى تلقى الضوء عليها. وأعمل حاليا على إصدار كتاب عن رحلة ابن فضلان /السفارة والحضارة.
مع دراساتك فى الرواية التاريخية.. ما رأيك فى كثرة الاهتمام بالتاريخ فى الرواية فى الفترة الأخيرة؟
لا أدعى أننى قرأت هذه الروايات جميعها ولكن الاهتمام بالجانب المعرفى ومنه الجانب التاريخى والصوفى على الرغم من أهمية الاستفادة من هذه المعارف وتوظيفها فى نسيج الرواية، إلا أن هذا التركيز وربما طغيان المعرفة كان فى بعض الأحيان على حساب الفن، على حساب الأدب، والغريب أن بعض هذه الروايات فازت بجوائز. فليس المهم تكديس المعارف التى يمكن لنا أن نستقيها من مصادر متعددة وإنما تكمن الاهمية بالقدرة على التوظيف داخل الرواية.
إضاءة
يشار إلى أن خولة شخاترة، أستاذة أكاديمية وناقدة أدبية، عملت مدرسة؛ فى جامعة اليرموك، وجامعة العلوم والتكنولوجيا (2000/2001)، وجامعة جرش الأهلية (2001-2007)، ثم انتقلت للتدريس فى جامعة جدارا الأهلية منذ سنة 2009، صدر لها من قبل: "الخبر عند المحسن التنوخى بين القص والتأريخ فى السرد القديم"، دار الوراق، عمان، 2004 - "بنية النص الحكائى فى كتاب (الحيوان) للجاحظ"، فى السرد القديم، دار أزمنة، عمان، 2005 - "معجم الكتاب من العصر الجاهلى إلى العصر المملوكي"، تراجم قديمة، عالم الكتب الحديث، إربد، 2008.