"عرفت عبد الرحمن شكرى، فلم أعرف قبله ولا بعده أحدًا من شعرائنا وكتابنا أوسع منه اطلاعًا على أدب اللغة العربية وأدب اللغة الإنجليزية، وما يترجم إليها من اللغات الأخرى، ولا أذكر أننى حدثته عن كتاب قرأته إلا وجدت منه علمًا به وإحاطة بخير ما فيه. وقد كان مع سعة اطلاعه صادق الملاحظة، نافذ الفطنة، حسن التخيل، سريع التمييز بين ألوان الكلام، هكذا قال عباس محمود العقاد فى مقالة نشرت بمجلة الهلال - فبراير 1959م، عن الشاعر الكبير الراحل عبد الرحمن شكرى، والتى تمر علينا اليوم ذكرى رحيله الـ132.
عبد الرحمن شكرى شاعر مصرى من الرواد فى تاريخ الأدب العربى الحديث، شارك فى تأسيس مدرسة الديوان مع العقاد والمازنى، والتى وضعت تصورا جديدا للشعر، فكان شكرى مجددا وحريصا على اللغة العربية الفصحى، وله دور كبير الأدب العربى الحديث من خلال أعماله النقدية.
عبد الرحمن شكرى، الذى ولد فى مدينة بورسعيد، كانت بداية تعليمه فى كتاب الشيخ محمد حجازى ثم حصل على الابتدائية من مدرسة الجامع التوفيقى الابتدائية، عام 1900، ثم انتقل إلى الإسكندرية فالتحق بمدرسة رأس التين الثانوية وحصل على البكالوريا عام 1904، ليدخل بعدها مدرسة الحقوق، التى فصل منها لاشتراكه فى مظاهرات نظمها الحزب الوطنى آنذاك لإعلان غضب المصريين على الاحتلال البريطانى لمصر ووحشية الإنجليز فى حادثة دنشواى.
لكن فصله من مدرسة الحقوق لم يكن نهاية المطاف، فالتحق إلى مدرسة المعلمين العليا عام فى عام 1906م، وهناك تعرف على المازنى، وبعد تفوقه تخرج من المعلمين، ليتم اختياره فى بعثة إلى جامعة شيفلد بإنجلترا، وهناك درس الاقتصاد والاجتماع والتاريخ والفلسفة إلى جانب تنمية مهارته فى اللغة الإنجليزية، لمدة 3 سنوات، وعاد إلى مصر فى 1912م.
فور عودة عبد الرحمن شكرى من إنجلترا قدمه المازنى للعقاد فكانت بداية صداقة قوية بين الثلاثة، وكانت نتيجة تلك الصداقة هو تبنى اتجاه الدفاع عن التجديد فى الشعر والأدب، وهى ما عرفت باسم مدرسة الديوان.
خدم عبد الرحمن شكرى فى التربية والتعليم ما يقرب من 26 عاما، فبعد عودته من إنجلترا عين بالتعليم الثانوى كمدرس للتاريخ واللغة الإنجليزية، وتدرج فى الوظيفة حتى أصبح مفتشًا، لكنه أحيل للمعاش حسب رغبته فى عام 1938م.
طالب عبد الرحمن شكرى بإحالته للمعاش بعدما وقع عليه ظلم وظيفى منعه من حصوله على الترقية بسبب قصيدة بعنوان "أقوام بادوا" والتى أغضبت رؤساءه عليه وصاروا يحرضون عليه لأنهم ظنوا أنه يصفهم، فخرج إلى المعاش بمرتب بسيط لا يكفيه ولا يكفى من يعولهم.
عاش عبد الرحمن شكرى سنين حياته بلال زوج، فكان ينفق على أسرة شقيقة خلال مرضه وبعد وفاته، لكن نتيجة للظلم الذى وقع عليه بعد خدمه فى التربية والتعليم، قام بإحراق جميع مؤلفاته ودواوينه، وأصيب بضغط الدم والشلل، فاعتزل الناس حتى رحل عن عالمنا فى ديسمبر سنة 1958.