صدر حديثا عن منشورات الربيع للنشر والتوزيع كتاب "تأثير الثقافة الإسلامية فى الكوميديا الإلهية لدانتى"، للناقد الكبير الدكتور صلاح فضل.
ويأتى فى مقدمة الكتاب: من حق القارئ أن يعرف منذ الوهلة الأولى أن موضوع التأثير الإسلامى فى الكوميديا الإلهية لدانتى ليس وليد اليوم، وإن كانت هذه أول مرة يعرض فيها بشكل وافٍ باللغة العربية، ففى أوائل هذا القرن نبت فى مخيلة عالم إسبانى ضليع أمضى عمره فى معايشة التراث العربى والذخائر الإسلامية أن ما يحفل به هذا التراث من صور الدار الآخرة وأدب المعراج يكمن وراء أنضج وأقوى أثر أدبى أوربى فى العصور الوسطى، وهو ملحمة دانتى الخالدة، فعكف عشرين عامًا يعالج مصادره ويبحث طرائقه حتى أخرج نظريته فى هذا التأثير نموذجًا منهجيًا فى الدراسات المقارنة المحكمة.
وكانت مفاجأة مذهلة لأبناء الثقافة الأوربية؛ فعز عليهم أن يعترفوا بالدين للثقافة العربية الإسلامية فى مرحلة عطائها الخصب، ونشبت معركة علمية حادة بين هذا الباحث المتمكن "أسين بالاثيوس" ومن اكتسبتهم نظريته من أنصار وبين من ينكرون ذلك العطاء، وبعد ثلاثين عامًا من تاريخ بدء الجدل الساخن اكتشفت وثيقة دامغة تؤيد النظرية وتقطع السبيل على حجج منكريها.
كان ذلك على وجه التحديد عام 1949، ومن ثم أصبحت القضية من أهم منجزات الأدب المقارن فى القرن العشرين، ومع ذلك فإن المشكلة لم تدخل كاملة إلى المكتبة العربية حتى الآن، فلم تترجم هذه الدراسات مع شدة حاجتنا إليها ونحن نؤصل لمناهج الأدب المقارن فى جامعاتنا، ولم تعرض نتائجها بما تستحقه من عناية وإحاطة مع أنها تعطى لنا دفعة قوية من الثقة المدعمة بالبراهين العلمية فى ثقافتنا القومية وتحفزنا إلى الاعتزاز الواعى بتراثنا وتساعدنا على التخلص من حساسية المتخلف الذى يخشى عواقب الاتصال الفكرى على أصالته، مع أنه شرط جوهرى لتغذيتها وإنمائها.
ولئن كان هناك علماء مصريون قد أسهموا بجهدهم النبيل فى تنوير القارئ العربى وإضاءة بعض جوانب هذه القضية له فإن ذلك قد تم فى إطار دراسات جامعة لما يناظرها من قضايا مشابهة، وقد آن الأوان كى نفرد لكل موضوع بحوثه المستقلة الوافية، وندعوه كى يدخل بكامل حجمه إلى لغتنا العربية حتى ينهمر فى معيننا العلمى ويحدث أثره المنشود فى وجداننا القومى.