التاريخ المصرى القديم حافل بالأسرار التى لم تكشف بعد، ورغم الاكتشافات الأثرية والدراسات الحديثة لكن لا يزال هناك الكثير المجهول الذى لا نعرفه، ومن ذلك ما تتحدث عنه بردية "وستكار"، وعلاقة ذلك بالأديان.
تسمى "وستكار" أو "خوفو والسحرة"، وفيها نجد إشارة إلى نبوءة الساحر المصرى "جدى" للملك "خوفو"، حيث ذكر له أن هناك فى مدينة "أون" سوف يولد لكبير كهنة الشمس ثلاثة ذكور يتولون حكم مصر تباعا.
والبردية إحدى نصوص الأدب المصرى القديم، وتحتوى على خمس قصص حول الأعاجيب التى يقوم بها الكهنة والسحرة، كل من تلك القصص يرويها أحد أبناء الفرعون خوفو فى مجلسه.
النسخة الباقية من البردية تتكون من اثنى عشر لفافة، وقد كتبت فى حقبة الهكسوس، لكن يعتقد أن جزءًا منها كتب فى عصر الأسرة الثانية عشر، واستخدمت هذه البردية من قبل المؤرخين كمصدر أدبى للتأريخ للأسرة الرابعة.
وفى عام 1839 قدم هنرى وستكار البردية إلى عالم المصريات "كارل ريتشارد بسيوس"، الذى لم يتمكن مع ذلك من فك طلاسم النص، إلى أن استطاع "أدولف إيرمان" فكها فى عام 1890، والبردية معروضة الآن فى إضاءة خافتة فى متحف برلين المصرى.
وتخبرنا البردية بأن الملك قد أصابه بعض الملل، وبعد تفكير دعا أبناءه ليقوم كل منهم بسرد حكاية أو قصة تروِّح عنه، وتدور محور هذه الحكايات القصيرة حول "الساحر" وقد قص الأمراء عدة مغامرات يفترض أنها قد وقعت فى حقبة أكثر قدماً، وذلك فى أوائل الدولة القديمة، وتحديداً فى عهد الملك "سنفرو".
ومن البردية:
قصة حكاها "باو إف رع":
"كبداية، ها هو "جاجا إم عنخ" المتألق خلال حكم الملك "سنفرو" ففى أحد الأيام شعر الفرعون بأنه لا يعرف كيف يتخلص من الضيق والضجر الذى يملأ صدره، فطلب منه علاجاً لضيقه، فاقترح عليه صديقُنا الساحر بأن يقوم بنزهة فى مركب بصحبة عشرين فتاة جميلة".
وبالقطع لم يكن فى هذه النصيحة أى أثر للسحر، ووجد "سنفرو" أن ذلك الأمر ممتع للغاية، ولكن سرعان ما عكر صفوَ الرحلة حادثٌ مؤسف، فقد فقدت إحدى المجدفات الجميلات حلية ثمينة كانت تزين شعرها، وأصابها حزن شديد، لدرجة أن الطاقم بأكمله قد حزن لحزنها. ولم يعجب ذلك الفرعون، فأرسل فى طلب الكاهن "جاجا إم عنخ" لعله يستعيد بسحره تلك الحلية لتسترد المجدفة الجميلة بهجتها.
ولما جاء الساحر نطق ببضع كلمات سحرية أدت إلى وضع أحد نصفى مياه البحيرة فوق النصف الآخر، ووجد الحلية التى كانت راقدة فوق شقفة، وتوجه لإحضارها من أجل إرجاعها لصاحبتها، وقد بلغ ارتفاع الماء فى أحد نصفى البحيرة 12 ذراعاً، وأصبح لا يقل عن 24 ذراعاً، حيث إن البحيرة قد طويت على نفسها. ثم نطق الساحر ثانية بتعويذته، فرجع الماء إلى ما كان عليه. فعادت الابتسامة إلى وجه الجارية الجميلة، وكذلك لرفيقاتها، وأثلج ذلك قلب الملك "سنفرو" إلى حد كبير.
يذكر أن الكاتب العالمى نجيب محفوظ، قد استفاد من هذه البردية فى كتابة روايته "عبث الأقدار" 1939.