كثيرا ما يشعر بعض جمهور الأدب العالمى، وعشاق القراءة، أن بداخلهم شخص بإمكانه أن يصبح مبدعا ذات يوم، وسواءً حاولت أن تكتب أو لم تحاول، فإن شباب المبدعين دائما ما يكونوا بحاجة لسماع بعض التوجيهات من كبار الأدباء حول مسيرتهم ورحلتهم فى عالم الإبداع.
من بين الكتب التى لا غنى عنها لدى شباب المبدعين، كتاب "رسائل إلى شاعر شاب" التى كتبها شاعر ألمانيا الأعظم راينر ماريا ريلكه (4 ديسمبر 1875 – 29 ديسمبر 1926)، فى بداية القرن العشرين، وصدرت فى طبعة حديثة عن دار الكرمة للنشر، فى القاهرة، ونقلها إلى اللغة العربية المترجم صلاح هلال.
رسائل إلى شاعر شاب.. هى سلسلة من الرسائل التى كتبها راينر ماريا ريلكه، إلى ضابط شاب، تتضمن نصائح فى الكتابة والحب والشهوة والمعاناة وطبيعة النصيحة نفسها.
هذه الرسائل أصبحت منذ ذلك الحين، مؤثرة بشكل كبير فى أجيال وأجيال من الكتاب والفنانين من جميع الاتجاهات والمشارب، الأمر الذى جعل من رسائل ريلكه مصدرا لانهائيا للإلهام والسلوى حتى يومنا هذا، وهنا فإننا نستحضر أهم ما قاله أو قدمه "ريلكه" من نصائح إلى الضابط الشاب، والتى لا شك أنها ستكون بمثابة إشعال شمعة فى طريقك لاكتشاف إذا ما كان بداخلك مبدع أم لا؟
فى البداية يرى شاعر ألمانيا الأعظم أنه "ليس بوسع أحد أن ينصحك ويساعدك، لا أحد. لا توجد إلا وسيلة واحدة: عليك بسبر أغوار ذاتك، عليك بالبحث فى السبب الذى يدفعك إلى الكتابة، انظر إذا كانت جذوره متوغلة فى أعمق مكان فى قلبك. واسأل نفسك إذا كانت الكتابة بالنسبة إليك دونها الموت. والأهم، اسأل نفسك فى أكثر ساعات الليل سكونا: هل على أن أكتب؟ نقب فى داخلك عن إجابة عميقة. وإذا كان الرد بالإيجاب، إذا كان ردك على هذا السؤال الجاد هو قولك بقوة وبساطة: "على أن أكتب"، فعليك أن تبنى حياتك تبعا لتلك الضرورة، يجب أن تصبح حياتك، حتى لحظاتها التى لا تكترث لها تماما، تعبيرا عن هذه الضرورة الملحة وشاهدا عليها".
فى هذه الحالة، كما يقول راينر ماريا ريلكه "اقترب من الطبيعة، ثم حاول، كما الإنسان الأول، أن تعبر عما ترى وتعايش وتحب وتفقد. لا تكتب قصائد حب؛ تجنب فى البداية تلك الأشكال المعهودة والمعتادة: إنها الأصعب، لأن المرء يحتاج إلى طاقة كبيرة وناضجة كى يكتب شيئا خاصا فى مجال وصلتنا فيه كميات من الكتابات الجيدة والباهرة أحيانا".
أولى النصائح التى يقدمها ريلكه فى مشوار الكتابة "انج بنفسك من معالجة المواضيع العمومية إلى تلك التى تتيحها لك حياتك اليومية، صف أحزانك وأمانيك، والأفكار التى تعترضك وإيمانك بأى جمال ما - صف ذلك كله بصدق حميم وهادئ ومتواضع، واستخدم، لتعبر عن نفسك، الأشياء الموجودة فى محيطك، والصور التى تظهر فى أحلامك، والأشياء التى تحتفظ بها ذاكرتك".
وإذا ما بدت لك حياتك اليومية قاحلة فلا تلمها، بل لم نفسك، قل لنفسك إنك لست شاعرا بما يكفى كى تستدعى ثرواتها؛ لأن الإنسان المبدع لا يعرف الفقر، ولا يرى مكانا فقيرا أو غير ذى بال.
وحتى لو كنت حبيس سجن تمنع أسواره أصوات العالم من أن تترامى إلى مسامعك، أفلن تبقى لديك طفولتك، ذلك الثراء الملكى الممتع، خزانة الذكريات تلك؟ اصرف انتباهك إلى هناك. حاول أن تستعيد الأحاسيس التى غابت فى غياهب ماض بعيد؛ عندها ستترسخ ملامح شخصيتك، وسيتسع فضاء وحدتك ليصبح منزلا فى ساعة الشفق، يمر ضجيج الآخرين بعيدا عنه. فإذا خرجت من رحم ذلك التحول إلى داخلك، ومن ذلك الغوص فى عالمك الخاص، قصائد، فإنك لن تفكر حينها فى أن تسأل أحدا إذا كانت أشعارا جيدة، كما لن تحاول كسب اهتمام المجلات لتلك الأعمال: لأنك سترى فيها شيئا طبيعيا محببا إلى قلبك تملكه، وجزءا من حياتك وصوتا لها.
ويرى شاعر ألمانيا الأعظم أن "العمل الفنى يكون جيدا حين يأتى عن ضرورة. الحكم على الشعر لا يكون إلا بناء على نوعية منشئه هذه؛ لذلك تعمق فى ذاتك وابحث فى أعماقها التى تنبع منها حياتك. ففيها ستجد الإجابة عن السؤال ما إذا كان عليك أن تبدع".