التاريخ ذو أوجه عديدة، فلا يحمل سيرة واحدة للشخصيات، فذلك الذى تعتبره بطلا قوميا، قد يكون خائنا فى نظر البعض، وذاك الذى تعتقد بأنه خائن تجد البعض الآخر يمجده ويجده وطنيا، وبطلا مغوار للوطن والشعب.
التاريخ ليس صادقا دائما، وأحيانا كثيرة لا يحمل إجابة شافية، فلا أنت متأكد من كون زعيم شهير مثل أحمد عرابى، كان بطلا عظيما ومناضلا ضد الإنجليز، ولا أنت يوجد عند يقين من الاتهامات التى تطول الخديوى توفيق.
ليس قائد الثورة العرابية وحاكم مصر فقط هم الذى يختلف عليهم التاريخ، فهناك اختلافات كثيرة وجدلا واسعا، لا ينتهى حول العديد من الشخصيات التاريخية، نحاول تسليط الضوء على هذا الاختلاف، ومعرفة نقاط الخلاف والتأييد حول تلك الشخصيات.
المعلم يعقوب
اختلف المؤرخون فيما بينهم على شخصية المعلم يعقوب، لكن ربما أغلب المراجع التاريخية ذكرته على إنه خائن وعميل لصالح الفرنسيين، ويذكر كتاب "جمهورية الفوضى: قصة انحسار الوطن و انكسار المواطن"، للكاتب ياسر ثابت، بأن المعلم يعقوب، هو يعقوب يوحنا، قبطى، من مواليد ملوى بالمنيا عام 1745.
عرف بصداقته للجنرال ديزيه، ومساعدته فى حملته لمطاردة جيش مراد بك، لتدبر أنواع المكر والخداع وأطلعهم على الخبايا والحيل من أجل القبض عليه، مستغلا عمله مع المماليك من قبل ومعرفته بخططهم، بل أنه نظم شبكة من الجواسيس والعلماء لجمع المعلومات عن مراد بك، كما مهد للحملة الحصول بسهولة على أموال المصريين، وتحول سريعا إلى مستشار ديزيه الشخصى.
فيما تذكره عدة دراسات مثل دراسة للبحث محمد الفقى، تصفه بالشخص الوطنى ومؤسس أول جيش قبطى مصرى.
سليمان الحلبى
اشتهر سليمان الحلبى كأحد أبطال الحركة الوطنية المصرية، بعدما قتل الجنرال كليبر القائد الثانى للحملة الفرنسية بعد رحيل نابليون بونابرت، لكن أيضا هناك وجها آخر يظهر الرجل بصورة غير الصورة الوطنية التى يظهر عليها فى أغلب المراجع.
فبحسب ما ذكره كتاب "هوامش التاريخ: من دفاتر مصر المنسية" للكاتب مصطفى عبيد، بعنوان "الحلبى.. القاتل المأجور"، نقلا عن كتاب المؤرخ الكبير عبد الرحمن الجبرتى "عجائب الآثار فى التراجم والأخبار" فإن الرجل الذى نعتبره بطلا قوميًا ونطلق اسمه على أحد شوارع حى المنيل بالقاهرة، والذى قدمته مناهج التاريخ فى المدارس باعتباره بطلا مغوارًا، على ما قدمه من تضيحة عظيمة بقتله لقائد الحملة الفرنسية، إلا أن "الجبرتى" يقول عنه من "سفلة السفلة، أهوج، أحمق، ومتدنس بالخطايا".
وهو ما يتفق مع دراسة للدكتور عبد الرحمن الجميعى، والذى يرى أن سليمان الحلبى ليس سوى مجرم أهوج انتهازى عميل وقاتل مأجور بلا دين ولا هدف، وعلى هذا فهو لا يستحق أن يكون قدوة تقتدى.
أحمد عرابى
قائد الثورة العرابية، وأحد أشهر الزعماء فى تاريخ مصر الحديث، اختلف حوله الكثيرون، فمنهم من ينظر له على أنه زعيم مخلص، مثلما يصفه المؤرخ والكاتب محمود الخفيف فى كتابه "أحمد عرابى: الزعيم المفترى عليه"، حيث وصفه بالزعيم ورمز المقاومة ونهضة الفكر فى مصر، وتحدث عنه فى مقدمة كتابه عرابى المفترى والمفترى عليه عن أنه رجلا ضاعت حسناته فى سيئاته كما ضاعت حسنات عرابى فيما افترى عليه من سيئات.
ويقول الكاتب: "ما كان عرابى فيما أعتقد إلا طالب حق يلحق فى طلب الحق الخطأ والصواب كما يلحق بغيره، ولعلى استطعت أن أجلو ذلك فى سيرته".
فيما ذكره السلطان عباس حلمى الثانى، فى مذكراته عهدى بالخائن، حيث قال "وكان عذاب والدى (يقصد الخديو توفيق) يتمشى مع المجهودات البائسة، من أجل إنقاذ مصر من عبودية احتلال أجنبى، كانت ذريعته طموح رجل، لا جدال فى خيانته لأميره ووطنه وإخوانه، ونخطئ بكل تأكيد إذا ما جعلنا من هذا الطاغية العسكرى أحد أوائل أبطال الوطنية المصرية. وهو ما يتفق مع رؤية الزعيم مصطفى كامل الذى حمل عرابى الاحتلال الإنجليزى حيث كتب فى رده على فرانسوا دى مسين، مدير مجلة العالم الإسلامى، حيث طلب الأخير يسأله عن حالة الجيش المصرى "الثورة العرابية التى انتهت فصولها باحتلال مصر".
الخديو توفيق
الزعيم مصطفى كامل تحدث عن الخديو قائلا: "عندما حكم مصر ظن الجميع أن التوفيق سيكون حليفه فى خديويته ولكن الحوادث خانته ولينه المتناهى وطيبته التى كادت تكون زهدًا أضعفت كثيرًا من جاهه وقوت كثيرًا جهلاء قادة الجيش والذين نهجوا منهجم".
ورغم ما يحمله البعض للخديو توفيق والذى شهد عصره بداية الاحتلال الإنجليزى لمصر، إلا أن مصطفى كامل وهو أحد أبرز الزعماء المصريين دافع عنه، وهو ما يتفق مع ما ورد فى حديث الخديو عباس فى مذكراته "عهدى" فإن والده الخديوى توفيق، كان يريد إنقاذ مصر عندما أعاد إنشاء المراقبة الثنائية من فرنسا وإنجلترا، أملا فى الإصلاح الاقتصادى وسيادة الهدوء لكن هذا لم يتحقق، بسبب ما أسماه ثورة "الأوساط العسكرية" بقيادة أحمد عرابى.
سعد زغلول
رغم أنه قائد ثورة 1919 ضد الإنجليز، ومؤسس حزب الوفد، وكل ما قيل عن الرجل وتاريخه الوطنى، لكن واجها آخر يظهر عن شخصية هذا الرجل الذى قال عنه المؤرخ الدكتور عاصم الدسوقى: سعد زغلول قال إن داء الخمر والقمار تمكن منه، وفى المنفى فى جزيرة مالطا كتب فى مذكراته، أن أعمال العنف فى ثورة 1919 أمور تضر بقضيتنا".
ذكر المؤرخ عبدالرحمن الرافعى فى كتابه مصطفى كامل.. باعث الحركة الوطنية" ص 239، و431 متحدثًا عن سعد زغلول: لقد بدأ الزعيم حياته السياسية صديقًا للإنجليز، وختمها كذلك صديقًا للإنجليز، وبدأها بمصاهرة أشهر صديق للإنجليز عرفته مصر فى تاريخ الاحتلال من أوله إلى آخره وهو مصطفى فهمى باشا، أول رئيس وزراء فى مصر بعد الاحتلال.