أعلنت دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبى اليوم، الاثنين، عن خطة افتتاح قصر الحصن، الذى شهد مؤخرا سلسلة واسعة من أعمال التجديد والصيانة والترميم، باعتباره أبرز معلم تاريخى قائم فى أبوظبى، كمتحف وطنى يسرد محطات تاريخ إمارة أبوظبى لعدة قرون.
وذكر بيان أعلنت دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبى، أن قصر الحصن يظل درة خالدة فى التراث الإماراتى وشاهدا تاريخيا بارزا، يروى صفحات الماضى العريق فى أبوظبى، ويرسم صورة عن مجتمع الإمارة، بداياتها وتاريخها وإرثها الثقافى.
ويعرف المعرض الدائم داخل القصر الخارجى والحصن الداخلى اللذين تم ترميمهما، زواره بتجربة متنوعة لاستكشاف فصول أبوظبى التاريخية، مقدما بذلك صورة شاملة حول حياة الأجيال والحكام ممن عاشوا فى القصر الخارجى، كما تكشف عن مراحل مسيرة ترميم وتجديد هذا المعلم التاريخي. وتحتضن قاعات المعرض مقتنيات دائمة ومتنوعة بداية من المجموعات الآثارية، ومرورا بالمواد الأرشيفية، وصولا إلى الوسائط المرئية والتجارب التفاعلية.
وقال محمد خليفة المبارك، رئيس دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي: يغمرنا فخر كبير بالإعلان عن المحطة الجديدة فى مسيرة قصر الحصن التاريخية، الذى سيفتتح أبوابه قريبا مرة أخرى أمام الجمهور ليروى حكاية أبوظبى وشعبها الأصيل، مؤكدا بذلك مرة أخرى قيمته كرمز ثقافى وتاريخى، ومعززا مكانته كشاهد عريق على مسيرة تاريخ الإمارة على مدار قرنين ونصف القرن من الزمن، حيث تحولت من مجتمع ساحلى صغير إلى عاصمة عالمية متطورة. ويتمتع هذا المعلم الحضارى باعتزاز واهتمام كبيرين باعتباره القلب التاريخى والحضارى النابض فى العاصمة الإماراتية، حيث يترقب الكثيرون افتتاحه مجددا، وإننا نأمل أن يلمس أفراد المجتمع بين أرجائه وأروقته تجربة مثمرة تغمرهم بالحنين لتلك الأيام التى عاشها قادتنا وأجدادنا وشعبنا على مر الأجيال.
وقال سيف سعيد غباش، وكيل دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي: "يحتضن الحصن الخارجى، الذى شهد أعمالا من الترميم والتجديد، مجموعة من المقتنيات بداية من أبرز القطع الأثرية وأندرها، مرورا بالوثائق الأرشيفية النادرة والمهمة، وصولا إلى المقتنيات اليومية البسيطة، والتى تجتمع معا لإحياء الماضى العريق وإنعاش ذاكرة تقاليد أجدادنا وقيمهم عبر الزمن. ولا نستثنى أهمية أعمال الترميم والتجديد التى جرى تنفيذها فى قصر الحصن، حفاظا على ملامح الحصن وهيبته. وإننا نتطلع إلى رؤية الزوار بينما يستكشفون قصة قصر الحصن وحكاية أبوظبى ومجتمعها عبر العصور".
سرد قصة مجتمع أبوظبى
يبدأ قصر الحصن بتقديم رؤية عامة عن كونه معلما تاريخيا، ليتعرف الجمهور على المراحل المختلفة فى مسيرة الحصن بحكم أدواره المختلفة عبر الزمن، فبعدما كان فى بادئ الأمر حصنا دفاعيا يعود تاريخ بنائه إلى القرن الثامن عشر، تحول إلى مقر للحكم. ثم لاحقا تم تحويله من كونه بيتا للأسرة الحاكمة وملتقى يرحب بكافة أفراد المجتمع إلى مقر للحكومة وتصريف شؤون البلاد؛ وها هو اليوم يقف بشموخ كموقع تاريخى يجسد أبوظبى ويمثل قلبها الثقافى النابض. وقد كشفت أعمال التنقيبات الأثرية عن أصول هذا المعلم التاريخى ومراحل تطوره المختلفة، التى ترك فيها كل حاكم بصمته بإضافة مبان جديدة وإدخال بعض التعديلات على الأبنية القائمة.
الانتقال إلى جزيرة أبوظبى
يواصل قصر الحصن سرد رحلة قبيلة بنى ياس، حيث هاجرت من مقر أجدادها فى واحة ليوا فى صحراء أبوظبى واستقرت فى المنطقة الساحلية بشكل نهائي. وكانت قبيلة بنى ياس ترتحل دائما من موقع لآخر متبعة نمط الحياة البدوى الذى اعتمد على ما جادت به الطبيعة عبر فصول السنة، بحثا عن موارد المياه العذبة، كما ترددوا على جزيرة أبوظبى منذ قرون لصيد السمك والغوص فى أعماق البحار بحثا عن اللؤلؤ وجمع الملح. وقد أسس بنو ياس مقرا صغيرا دائما لهم بأبوظبى فى آواخر ستينيات القرن الثامن عشر.
المراحل الأولى لمجتمع أبوظبى
يرصد قصر الحصن مرحلة انتقال مقر حكم بنى ياس إلى جزيرة أبوظبى، وكان البحر آنذاك مصدرا لمواد البناء المستخدمة فى تشييد الحصن، وسبيلا للحياة الاقتصادية للصيادين والغواصين الباحثين عن اللؤلؤ، وفى عام 1795، تم بناء الحصن انطلاقا من الحاجة الماسة إلى بناء قلعة منيعة قادرة على حماية المستوطنة الجديدة. وفى أقل من خمسين عاما، تحولت أبوظبى من بداياتها المتواضعة كبيوت مصنوعة من سعف النخيل إلى مستوطنة ساحلية يعيش فى الآلاف من السكان.
مقر للحوار والتعبير الثقافى
ويواصل قصر الحصن رحلته مع فترة حكم الشيخ زايد الأول. وعلى الرغم من الصراعات السياسية التى تزامنت مع حكمه والاضطرابات التى عمت فى أرجاء المنطقة، نجح هذا القائد فى تعزيز مكانة إمارة أبوظبى وتحويلها إلى ثقل ومركز محورى على ساحل الخليج، كما أرسى دعائم الدولة المستقبلية وفق رؤية بعيدة. وأسس الشيخ زايد الأول "المجلس"، الذى استضاف اجتماعات منتظمة ترأسها بنفسه، وعمل على توفير كافة عوامل الازدهار والنمو لتعزيز رفاهية شعبه. ولطالما كان قصر الحصن صرحا بارزا لتجاذب أطراف الحوارات والنقاشات، وقد ازدهر فى عهد الشيخ زايد الأول المشهد الشعرى والنشاط الثقافى.
بداية عهد جديد من الازدهار
بعد وفاة الشيخ زايد الأول عام 1909، انتهى عهد وبدأ آخر فى تاريخ أبوظبي. وعلى الرغم من تباطؤ حركة التجارة بفعل عدد من العوامل الجيوسياسية وظهور اللؤلؤ المستزرع فى اليابان، إلا أن أراضى أبوظبى كانت على وشك البوح بثروة جديدة تقبع فى أعماقها. وقد منح الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان فى عام 1939 أول امتياز للتنقيب عن النفط فى أبوظبى من مجلسه المنعقد فى قصر الحصن، ممهدا بذلك الطريق أمام التطورات الكبيرة التى كانت أبوظبى على أعتابها. وفى العام ذاته، أمر الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان ببناء قصر حول الحصن، بما شكل انطلاقة حقبة اقتصادية جديدة، حيث تعززت مكانة أبوظبى فى المنطقة وبدأت مسيرتها نحو تحقيق مزيد من التطور والنجاح.
قصر الحصن.. رمز لإمارة أبوظبى
تولى المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، زمام الحكم فى الإمارة عام 1966، وقد شهدت إمارة أبوظبى خلال فترة حكمه قفزات نوعية وتطورات كبيرة، حيث تحولت إلى مدينة عالمية تمتلك كافة مقومات الازدهار. وقد تسارعت وتيرة التغيير فى الإمارة لتشمل إنشاء الطرق حولها وداخلها، وتطوير أبنية جديدة حول قصر الحصن، المعلم الثابت الذى لم يتغير عبر تاريخ أبوظبي. وقد انعكست رؤية الشيخ زايد فى تطوير دور هذا الصرح وترسيخ أهميته التاريخية، باعتباره رمزا للإمارة ومركزا لإدارة شؤون الدولة وأرشيفا وطنيا ومعلما حضاريا.
مجتمع قصر الحصن
يسرد "قصر الحصن" قصص الأجيال المتعاقبة رجالا ونساء وأطفالا، التى اتخذت من القصر مقرا للعيش لسنوات طويلة. وقد كان قصر الحصن، بداية من عهد الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان، مقرا للحكم وبيتا للعائلة الحاكمة، حيث يجسد بأروقته وباحاته وغرفه نمط حياة أهل القصر آنذاك.
إرساء أسس دولة جديدة
يسرد قصر الحصن قصة قيام دولة الاتحاد واجتماعات القادة والقبائل، مسلطا الضوء على دور المجلس الاستشارى الوطنى، باعتباره محطة هامة فى رسم السياسات واستضافة الحوارات الأساسية التى سبقت قيام دولة الإمارات. وفى عام 1968، تم تشييد المجلس الاستشارى الوطنى خارج جدران الحصن، وهو المكان الذى كان الشيخ زايد الأول قد عقد فيه أول مجلس له، ثم تحول مبنى المجلس إلى مكان للاحتفاء بالمناسبات التاريخية عقب تأسيس دولة الاتحاد فى الثانى من ديسمبر عام 1971، حيث احتضن الاجتماعات الأولى للمجلس الوطنى الاتحادى لدولة الإمارات العربية المتحدة.
وإلى جانب المعارض الدائمة، ينظم قصر الحصن برنامجا عاما على مدار العام تتخلله سلسلة واسعة من الفعاليات والأحداث، ويشمل ذلك الجولات المتخصصة فى التاريخ والآثار والهندسة المعمارية، إلى جانب سلسلة من الفعاليات التى تعنى بإعادة تصوير الحياة اليومية للأجيال الماضية، بالإضافة إلى برنامج «المجلس» الذى سيتعرف الزوار من خلاله على تاريخ وآداب حضور المجلس والبروتوكولات التقليدية، وتتخلل البرنامج العام كذلك سلسلة من الأنشطة المخصصة للأطفال.
يضم هذا المعلم التاريخى الذى يتوسط مدينة أبوظبى بناءين هامين، وهما: "الحصن الداخلي"، الذى يعود تاريخ بناء أجزاء منه إلى العام 1795 تقريبا؛ و"القصر الخارجي" الذى تم بناؤه خلال فترة أربعينيات القرن الماضي. وهو اليوم يمثل القلب النابض فى أبوظبى والشاهد الحى على محطات تاريخها العريق. وتعتبر منطقة الحصن الثقافية المربع الأول للمخطط المدينى فى إمارة بوظبى، وهى بمثابة نصب حضرى يعكس تطور المدينة وتتألف من مكونات مترابطة، هي: "قصر الحصن" ومبنى "المجلس الاستشارى الوطني" و"المجمع الثقافى" و"بيت الحرفيين".