هل تعلم أن روسيا وصفت أحد أشهر كتابها العظام ذات يوم بأنه إرهابى، وهل تعلم أن هذا الكاتب هو مكسيم غوركى (28 مارس 1868 - 18 يونيو 1936) الأديب والناشط السياسى الماركسى، ومؤسس مدرسة الواقعية الاشتراكية التى تجسد النظرة الماركسية للأدب، وهى النظرة التى ترى أن الأدب مبنى على النشاط الاقتصادى فى نشأته ونموه وتطوره، وأنه يؤثر فى المجتمع بقوته الخاصة، ولذلك ينبغى توظيفه فى خدمة المجتمع.
وهل تعلم أن روسيا استغلت علاقة العشق بين مكسيم غوركى وممثلة مشهورة فى حربها ضده فى ذلك الوقت، الأمر الذى أدى إلى فضيحة تغنت بها الصحف الروسية والأمريكية، وتسببت فى تراجع الرئيس الأمريكى ثيودور روزفلت (27 أكتوبر 1858 - 6 يناير 1919) عن لقائه به.
هذه الواقعة بتفاصيلها، التى لن تجد لها إشارة فى الكثير من المواقع التى تناولت سيرة حياة مؤسس الواقعية الاشتراكية، بل ستجدها فى كتاب "الشبقة ومهووسات أخريات" للكاتب إيرفينغ والاس، الصادر عن دار المدى للنشر، فى طبعته الأولى عام 2007، ونقله إلى اللغة العربية المترجم محمد حنانا.
فى كتاب "الشبقة ومهووسات أخريات"، كان إيرفينغ والاس، الأساسى كما يخبرنا فى مقدمته، هو الحديث عن نساء فى مختلف أعمارهن ارتبطت أسمائهن وسيرهن بـ"الفضيحة" فى أشكالها المتعددة، ومن خلال سرده لهذه السير التى قام بالبحث عنها لعدة سنوات فى مدن أمريكا ولندن وباريس وروما ومدريد، تعرفنا على هذه الواقعة.
يروى إيرفينغ والاس أحداث الواقعة بعين الراوى العليم، ما حدث فى عام 1906، فى الولايات المتحدة الأمريكية، ويقول:
فى يوم من أيام أبريل عام 1906، وصلت ممثلة جذابة بعد رحلة إلى طويلة مع عشيقها عبر الأصلسى إلى نيويورك لتلقى ترحيبا حارًا من حشد من المستقبلين ضم مارك توين وآرثر بريسبان وجين آدامز ووليام دين هاولز وهـ. ج. ويلز. كانت تدعى ماريا أندرييفا، وكانت فنانة على درجة عالية من الثقافة الأدبية. وكان عشيقها الروائى والكاتب المسرحى الروسى الكبير مكسيم غوركى ابن الثامنة والثلاثين فى ذلك الوقت.
ويشير إيرفينج والاس إلى أن مكسيم غوركى، الذى ترشح للحصول على جائزة نوبل للآداب خمس مرات، قدم إلى الولايات المتحدة الأمريكية للحصول على دعم مالى من أجل الحركة الثورية الروسية. كان مقامه عاليًا - حتى الرئيس ثيودور روزفلت فتح له باب البيت الأبيض - والحكومة القيصرية كانت منزعجة. ولما فشلت الحكومة القيصرية فى منع "غوركى" من دخول أمريكا بوصفه إرهابيا، قررت السفارة الروسية فى واشنطن بقسوة أن تجعله منبوذًا بوصفه فاجرًا.
تحدثت الصحافة الأمريكية عن ماريا أندرييفا بوصفها زوجة مكسيم جوركى، واحتفت بزوجة الكاتب، وقد سجلت هكذا فى فندق بيلكلير، ما دعى السفارة الروسية للعمل على كشف الحقيقة.
فالسيدة "غوركى" الحقيقة كانت فى روسيا. وقد انفصلت عن الكاتب منذ سنوات، لكنها ردت طلبه بالطلاق. ووصال ماريا أندرييفا مع الكاتب لم يجزه رجال الدين. كانت ماريا خليلته على مدى ثلاث سنوات.
قررت السفارة الروسية على نحو رد فعل أمريكا حيال ما رأته "فجور قبيح" القيام بما رأته فعلا صحيحا. تصدرت الفضيحة فى معظم الصحف. ونشرت صحيفة "عالم نيويورك" صورة زوجة مكسيم غوركى الحقيقية، وصورة الفنانة التى دعيت السيدة غوركى، والتى لم تكن زوجته على الإطلاق، إنما ممثلة روسية عاش معها بعد انفصاله عن زوجته قبل ثلاث سنوات.
فى عام 1906 اضطهدت ماريا اندرييفا. وطردت هى ومكسيم أو كما قيل "الزانيان" من فندق بيلكلير، ثم من فندق بريفورت ومن فندق راينلاد، وهذا الأخير طردا منه فى منتصف الليل. وتغاضى الرئيس روزفلت بسرعة عن استقبال البيت الأبيض. وتراجع الأمريكيون المشهورون عدا إدوين ماركام وجون ديوى. كما انسحب دين هاولز من حفل العشاء الذى كان عليه أن يترأسه، وهرع مارك توين ليحل محله.
ألغيت مواعيد المحاضرات. وفى بوسطن عللت إحدى المضيفات المنسحبات بقولها: "أنا لا أريد محاكمة السيد مكسيم غوركى، ولكن من الواضح أن موقفه من الأخلاق يختلف عن موقفنا". كانت الصحف مبتهجة. ابتهجت ابتهاجا عظيما بالقول إن "طهارة نُزلنا لم تعد تدنسها امرأة ساقطة".
انسحب مكسيم غوركى إلى روسيا حيث حصل فى النهاية على الطلاق، وبذلك أصبح زواجه قانونيا من الممثلة، وخلال هذه السنوات ذاتها عبر "غوركى" عن موقفه إزاء الولايات المتحدة فى سلسلة من القصص القصيرة اللاذعة.