"الحب، أعزك الله، أوله هزل وآخره جد، دقت معانيه لجلالتها عن أن توصف، فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة"، كانت تلك الكلمات ممن كتبها الفقيه وعالم الحديث الشهير ابن حزم الأندلسى، فى "رسائل ابن حزم" الذى نشرت فى كتابه الأشهر "طوق الحمامة"، والذى وصف فيما بأنه أدق ما كتب العرب فى دراسة الحب ومظاهره وأسبابه، وترجم إلى العديد من اللغات العالمية.
الإمام ابن حزم الأندلسى، والذى تحل اليوم ذكرى ميلاده الـ 1024، إذ ولد فى 7 نوفمبر 994م الموافق 30 رمضان 384 هـ، فيما رحل عن عمر ناهز 74 عامًا، فى 15 أغسطس 1064م، الموافق 28 شعبان 456 هـ، كان من أكبر علماء الأندلس وأكبر علماء الإسلام تصنيفًا وتأليفًا بعد الطبرة، وهو إمام حافظ. فقيه ظاهري، ومجدد القول به، بل محي المذهب بعد زواله في الشرق، ومتكلم وأديب وشاعر وعالم بالحديث وناقد محلل بل وصفه البعض بالفيلسوف.
فى كتابه الأشهر، تناول الفقيه الأندلسى ابن حزم، العديد من المسائل والأمور المتعلقة بالحب والعشق، ومن بينها ما ورد على لسانه عن علامات الحب، حيث يقول: للحب علامات يقفوها الفطن، ويهتدى إليها الذكى، فأولها إدمان النظر، والعين باب النفس الشارع، وهى المنقبة عن سرائرها، والمعبرة لضمائرها والمعربة عن بواطنها. فترى الناظر لا يطرف، يتنقل بتنقل المحبوب وينزوي بانزوائه، ويميل حيث مال كالحرباء مع الشمس.
كما وصف الحب من النظرة الأولى، عندما قال: "كثيرًا ما يكون لصوق الحب بالقلب من نظرة واحدة. وهو ينقسم قسمين، فالقسم الواحد مخالف للذي قبل هذا، وهو أن يعشق المرء صورة لا يعلم من هي ولا يدري لها اسما ولا مستقراً، وقد عرض هذا لغير واحد".
ويبدو أن سر الحب، كان سؤالاً عالقًا بذهن الفقيه الأندلسى، ومحاولة تفسيره وتوضيح ماهيته، عندما كتب: "هذا قتيل الهوى لا عقل ولا قود، قد اختلف الناس في ماهيته وقالوا وأطالوا، والذي أذهب إليه أنه اتصال بين أجزاء النفوس المقسومة في هذه الخليقة في أصل عنصرها الرفيع".
الدكتور زكريا إبراهيم فى كتابه "ابن حزم الأندلسى" أكد أن بسبب حديث الفقيه الراحل عن الحب عاب عليه من معاصريه، فلم يجد ابن حزم بدًا من الاعتذار عن ذلك فى مقدمته رسالته، ويرى المؤلف أن الحديث عن الحب عند ابن حزم كان يخشى أن يقع فى ظن البعض أن الحديث عن الحب هو حديث عن الجنس والشهوة والفاحشة، فهو أحرص ما يكون على إبراز قدسية العاطفة، وكان حريصًا أيضًا على تنبيهنا أن الحب خبرة معايشة، فلا يدرك حقيقته إلا ما كابده وعاناه، وبالتالى ابن حزم يستند فى حديثه عن الحب إلى تجربته الخاصة.
وأشار المؤلف إلى أن تعريف ابن حزم للحب، لا يخلو من التأثر بالنظرية الأفلاطونية المعروفة فى الحب، كما يظهر فى قوله "وقد اختلف الناس في ماهيته وقالوا وأطالوا، والذي أذهب إليه أنه اتصال بين أجزاء النفوس المقسومة في هذه الخليقة في أصل عنصرها الرفيع".