يقول الدكتور المغربى الطيب بو عزة فى كتابه كتاب نقد الليبرالية والصادر عن مركز البيان للبحوث والدراسات إن الهدف من هذا الكتاب الذى يبحث عن معنى الليبرالية وقيمها ومبادئها وتطبيقاتها المجتمعية هو أن الليبرالية تقدم اليوم بوصفها الحل والنموذج الوحيد فى مجال السياسة والاجتماع بدون منازع ومنافس وعلى مستوى العالم.
ويبين أنه سيقوم بنقد الليبرالية من خلال مقاربة فلسفية تتناول أسسها النظرية لكشف زيف المزاعم الليبرالية الكبرى، وبنقد لواقع تطبيق وتطورات الليبرالية عبر التاريخ والحاضر، مع التنبيه أن نقد الليبرالية لا يعنى نقد الحرية أو تمجيد الاستبداد، بل هو نقد لحصر الحرية بالليبرالية دون دليل، بل إن المؤلف يرى أن الحرية اليوم هى تحرير الإنسان من الليبرالية.
ويناقش دلالة مفهوم الليبرالية، حيث يرصد أن صعود الليبرالية لواجهة المشهد الثقافى جاء فى تسعينيات القرن الماضى بعد انهيار المعسكر الشيوعى والفكر الماركسى فأعلنت الليبرالية كنموذج فكرى وسياسى أقدر على تنظيم الاجتماع وإدارة المشكلات السياسية والاقتصادية.
ومقابل هذه الرؤية التبجيلية لليبرالية هناك توجه مناهض لها باعتبارها قناعا يخفى تغول الرأسمالية وتفتيت أنساق القيم وتدمير مقومات الأخلاق، وأنها تعجز عن تحقيق شعاراتها الاقتصادية كالرفاه لأن ذلك يتناقض مع واقع الجشع الرأسمالى القائم على الحرية والفردية دون ضابط أخلاقي.
ويحاول الليبراليون تعريف الليبرالية بأنها الحرية، وهذا تزييف، فالحرية ادّعتها كثير من المذاهب والفلسفات، وليس هناك تعريف متفق عليه لليبرالية وفى الحقيقة هناك ليبراليات متعددة، وبالعودة للمعاجم والتاريخ نجد أنها من اللفظ اللاتينى "ليبراليس" وتعنى الشخص الكريم النبيل الحر، وحتى نهاية القرن الثامن عشر لم يعرف لفظ الليبرالية، بل عرفت كلمة "ليبرال" التى تعنى المتحرر فكرياً، لكن فى نهاية القرن التاسع عشر ظهرت لفظة الليبرالية بوصفها دالة على رؤية مذهبية لها أساسها الفكرى ونظريتها السياسية والاقتصادية.
لكنها كانت رؤى متغايرة متنوعة يجمعها أنها فلسفة/ فلسفات اقتصادية وسياسية، ترتكز على أولوية الفرد بوصفه كائنا حراً، حيث تعنى من الناحية الفكرية حرية الاعتقاد والتفكير والتعبير، وحرية الملكية الشخصية فى الجانب الاقتصادي، وحرية التجمع وتأسيس الأحزاب، واختيار السلطة من الناحية السياسية. وبذلك تكون الليبرالية تكونت فى الواقع قبل تشكل المصطلح.
فانفتاح الوعى الأوربى على عوالم خارج النص الكنسى كالعالم العربى والإسلامى والإغريقى والرومانى أحدث دهشة وصدمة للعقل الأوربى القرطوسي، وأحدثت فيه النزعة الإنسانية، ومع توسع حركة التجارة وظهور طبقة التجار ثم حركة الصناعة والصناعيين سيتغير النظام الإقطاعى السائد، إذ التجارة والصناعة تحتاجان إلى عمال وزبائن، لذلك يجب تحرير العبيد ليصبحوا عمالا، وبذلك يرى المؤلف أن الليبرالية لم تنشأ بوصفها توكيدا لحرية الإنسان، بل بوصفها توكيدا للحاجة لاستغلاله بطرائق تناسب الثورة الصناعية! ولذلك ترافق مع انهيار نظام الإقطاع إبادة الهنود الحمر واستعباد شعوب أفريقيا ونهب خيراتها على يد النظام الليبرالى الرأسمالي، وقامت البرلمانات الليبرالية بتشريع ذلك! مما ينزع عن الليبرالية وهْم تحرير الإنسان، وأن الحرية ترتبط بالليبرالية حصرا كما يزعمون.
كما يفحص النظرية الاقتصادية لليبرالية، والتى تقوم على مفهوم مادى للإنسان، كما عبر عنها فوكوياما فى كتابه "نهاية العالم" (الإنسان هو بالأساس حيوان اقتصادي)، وقد أصبحت هذه الرؤية أسلوب عيش وأسلوب تفكير، ويراد لها أن تسود رؤية البشر فى العالم! وهذه رؤية تصطدم بحقيقة كينونة الإنسان التى تتجاوز المادة لتجمع الروح معها، وهذا ما تتجاهله الليبرالية.