فى 14 نوفمبر 1770 وصل الرحالة الاسكتلندى جيمس بروس إلى منبع النيل الأزرق، وقال حينها إنه قد اكتشف منبع نهر النيل الممتد عبر البلدان حتى وصل إلى البحر الأبيض المتوسط، فى ذلك الوقت كان العرب والمسلمون لا يزالون يعتقدون أن نهر النيل أصله نهر فى الجنة، فكيف تم ذلك؟
يعتمد التراث الإسلامى على ما ذكره البخارى والصالحى والطبرانى من أحاديث الإسراء والمعراج، ووصول النبي الكريم عليه السلام إلى سدرة المنتهى.
وجاء فى حديث البخارى ومسلم عن الإسراء والمعراج قوله صلى الله عليه وسلم "ثم رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل فلال هجر، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة، قال : هذه سدرة المنتهى، وإذا أربعة أنهار، نهران باطنان ونهران ظاهران، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال أما الباطنان فنهران فى الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات" وجاء فى رواية للبخارى (فإذا فى أصلها أى سدرة المنتهى، أربعة أنهار) وعند مسلم (يخرج من أصلها) وعند مسلم أيضًا من حديث أبى هريرة (أربعة أنهار من الجنة النيل والفرات وسيحان وجيحان ) ووقع فى رواية شريك كما عند البخارى أنه رأى فى سماء الدنيا نهرين يطردان -يجريان- فقال له جبريل: هما النيل والفرات عنصرهما. وجاء فى رواية البيهقى: (فإذا فيها -السماء السابعة- عين تجرى يقال لها السلسبيل، فينشق منها نهران أحدهما الكوثر والآخر يقال له: نهر الرحمة) وفى رواية لمسلم: (سيحان وجيحان والنيل والفرات من أنهار الجنة) ووقع فى حديث الطبرى عن أبى هريرة: (سدرة المنتهى يخرج من أصلها أربعة أنهار، نهر من ماء غير آسن ونهر من لبن لم يتغير طعمه ونهر من خمر لذة للشاربين ونهر من عسل مصفى).
وفى رد دار الافتاء المصرية عن ذلك:
كلام الشراح للأحاديث كله اجتهادى، وفيه تضارب، ومن الصعب التوفيق بين ما قالوه وبين ما يقوله علماء الجغرافيا فى تحديد منابع النيل والفرات.
لكن المسألة ليست من العقائد التى يتوقف عليها الإيمان، وليست من الشريعة التى كلف بها المسلم، فجهلها لا يضر الدين، والقاعدة فى مثل هذه الأخبار التى يناقض ظاهرها العقل فى مسلماته الثابتة أن ينظر إلى الخبر فإن لم يكن ثبوته بوجه يقبل فى العقائد، وهو الصحة -على خلاف فى مراتبها- فلا داعى لمحاولة فهم النص والتوفيق بينه وبين العقل الذى يقدم عليه، وإن ثبت أن الخبر صحيح فيجب التسليم به ولا يجوز إنكاره وهنا يجب صرفه عن ظاهره بالتأويل ليتفق مع العقل فى قضاياه المسلمة أو الواقع فى مشاهدته المحسوسة، ولا ينبغى تأويله لصعوبة فهمه فقد تكشف الأيام والمكتشفات عن صدقه، وقد تسرع بعض الكُتَّاب فأنكر بعض هذه الأخبار أو أولها ثم ظهر بعد أنها صادقة فى معانيها التى جاءت بها، وإليك بعض النماذج من شرح هذا الحديث: قال النووى فى شرحه لصحيح مسلم: أصل النيل والفرات من الجنة، وأنهما يخرجان من أصل السدرة، ثم يسيران حيث شاء الله، ثم ينزلان إلى الأرض، ثم يسيران فيها، ثم يخرجان منها.
وهذا لا يمنعه العقل، وقد شهد به ظاهر الخبر فليعتمد، ثم يتابع النووى قوله فيقول: وقول عياض: الحديث يدل على أن أصل سدرة المنتهى فى الأرض، لقوله: إن النيل والفرات يخرجان من أصلها، وهما يخرجان من الأرض فيلزم منه أن أصل السدرة فى الأرض - متعقب . أن خروجهما من أصلها غير خروجهما بالنبع من الأرض ، والحاصل أن أصلهما من الجنة ويخرجان أولا من أصلها ثم يسيران إلى أن يستقرا فى الأرض ثم ينبعان . هذا كلام النووى الذى يقول: إن العقل لا يمنعه وما دام الخبر قد ثبت به فلنعتمده ، صحيح أن العقل لا يمنعه فالله قادر على كل شىء، ولكنه صعب التصور، ولا نسلم به إلا لصحة الخبر به.
لكن الألفاظ الواردة فى الخبر قد تدل على معان يسهل على العقل تصورها، فقد قال القرطبى: وقيل : إنما أطلق على هذه الأنهار من الجنة تشبيها لها بأنهار الجنة لما فيها من شدة العذوبة والحسن والبركة، وهذا هو الذى تميل إليه النفس إذا كان المراد بالنيل والفرات نهرى مصر والعراق، أما إذا أريد بهما وبغيرهما أنهار الجنة حملت أسماء أنهار الدنيا حقيقة أو تشبيها كما يدل عليه حديث الطبرى عن أبى هريرة، وما جاء عن كعب الأحبار عند البيهقى فلا صعوبة فى فهم الأحاديث، ولزيادة المعلومات للترف العقلى راجع شرح الزرقانى للمواهب اللدنية للقسطلانى فى حديثه عن الإسراء والمعراج.