الصورة جزء مهم من تراث الأمة مثل الكتب والوثائق والآثار والتراث العمرانى والفنون. ومن المعروف أن مصر تزخر بآلاف الصور النادرة التى توثق الأحداث المختلفة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والشعبية فى تاريخ مصر الحديث والمعاصر إلا أنه لا توجد مظلة شاملة لكل الجهات التى تسعى للحفاظ على هذه الصور.. فهناك أرشيف الصور الصحفية بكثير من المؤسسات القومية، فضلا عن أرشيفات الصور الرسمية بالجهات السيادية كمؤسسات الرئاسة والهيئة العامة للاستعلامات ومجلس النواب، وبعض الوزارات التى استطاعت أن تحافظ على أرشيف للأحداث التاريخية المهمة، فضلا عن هواة جمع الصور من الأفراد. إلا أنه حتى الآن لا توجد آليات للاستفادة من هذا المخزون الكبير الذى قد يوشك فى لحظة على الضياع أو السرقة أو البيع والتهريب للخارج أو التعرض للتلف فى مخازن وطرق حفظ غير ملائمة.
إن أهمية الصور تكمن فى قدرتها على نقل كمٍّ هائل من المعلومات التاريخية.. المُفصلة والدقيقة.. بشكل متكامل، وبأبعاد مختلفة لا يمكن للنصوص المكتوبة أن تجاريها فيه. فالصورة هى الوسيلة الأكثر قُدرة على نقل تفاصيل الأحداث والمعلومات وتوثيقها. ولعل الأمر يصبح أكثر وضوحا باستنطاق تلك الصور حيث يُمكن الحصول على كثير من المعلومات التاريخية عن الحياة بمختلف جوانبها السياسية والاجتماعيّة والثقافية والعمرانية والفنية.
كل هذا الاستعراض السابق لأهمية الصورة يرجع لما تحظى به من اهتمام كبير لدى المؤسسات والأفراد يتناسب مع مكانتها وما تشكله من قيمة كبيرة، وهو ما يدفعنا إلى الدعوة لإنشاء مشروع وطنى لأرشيف متكامل لجمع الصور الخاصة بالأحداث والفعاليات والمناسبات التاريخية والمعاصرة، والعناية بها وحفظها بطريقة حديثة، وليكن تحت اسم "الأرشيف الوطنى للصور".
هذا المقترح يهدف إلى إنشاء ذاكرة مصورة للأحداث والفعاليات المختلفة الرسمية والشعبية، لحفظها للأجيال القادمة كجزء من تاريخنا القديم وتوثيق لواقعنا المعاصر.
أتمنى أن يجد هذا المشروع تنفيذا رسميا بوتيرة سريعة على قدر أهمية الفكرة .. كما أظن أنه سيجد اهتماما مجتمعيا من خلال جمع الصور التاريخية من مختلف الجهات الرسمية وغير الرسمية والموجودة أيضا لدى الأفراد والأسر من صور ترتبط بتاريخ شخصيات مصرية أو ترتبط بأحداث تاريخية.
فالحفاظ على الصور باعتبارها مصدرا من مصادر المعلومات التاريخية تساعد فى فهم وتحليل وتوثيق الأحداث. كما أن حفظ هذه الصور إلكترونياً وعمل نسخ منها لحمايتها من التلف أو الضياع خطوة ضرورية، سيترتب عليها الاستفادة منها لاحقاً فى الدراسات التاريخية والتوثيقية والمشاركة بها فى معارض الصور المحلية والدولية، بالإضافة إلى إتاحتها للباحثين والدارسين وعامة القراء للاطلاع والدراسة.
يتطلب تنفيذ هذا المشروع مجموعة من الخطوات، تتمثل فى جمع ما لدى مؤسسات الدولة الرسمية من صور نادرة وقديمة توثق للأحداث المهمة بها، والحصول على نسخ منها أو إيداع النادر منها بالأرشيف الوطنى للصور. وجمع الصور اليومية التى توثق للمشروعات القومية والفعاليات والأحداث الرسمية المهمة، بإرسال نسخ إلكترونية منها إلى الأرشيف الوطنى للصور، لجمعها للأجيال القادمة.
ولعل النقطة المهمة هنا .. هى تحفيز المجتمع على المشاركة فى إنشاءالأرشيف الوطنى للصور بإهداء نسخ مما لديهم ليدخلوا التاريخ من أوسع أبوابه.. وهذا التحفيز يمكن أن يتم من خلال تدشين حملات توعية للتعريف بأهمية التفاعل المجتمعى الإيجابى وجهود الأفراد للمساهمة فى جمع الصور النادرة لصالح الأرشيف الوطنى للصور، بالحصول على الإهداءات والاقتناء أو الحصول على نسخ من الصور النادرة لدى الأفراد لتوثيقها فى ذاكرة الأرشيف الوطنى للصور.. ولتشكل هذه الحملات خطوة مهمة للحفاظ على هذا التاريخ، وترسيخ قيمه بين الأفراد والعائلات المختلفة.
كما أن هناك خطوات تنفيذية لتسهيل عملية الأرشفة من خلال تشكيل فرق عمل داخل الأرشيف الوطنى للصور لإعداد قائمة شاملة بأنواع الصور التى يجرى قبولها لتشمل الصور الرسمية وغير الرسمية، بالإضافة إلى الصور التى تعود إلى حقب زمنية تاريخية متفاوتة، والصور الخاصة بالسير الذاتية للأفراد والعائلات والشخصيات التاريخية. بالإضافة إلى تشكيل فرق عمل وظيفتها تصنيف الصور آخذةً الترتيب التاريخى بالاعتبار، وتبويبها من حيث الموضوع والمصدر والزمان والمكان والمضمون والأشخاص فى كل صورة، وإيجاد آلية لحفظ هذه الصور إلكترونياً وعمل نسخ منها لحمايتها من التلف أو الضياع.
إن إنشاء هذا الأرشيف يمثل ثروة قومية بما يترتب على ذلك من وجود مخزون هائل ومقتنيات تراثية مصورة ذات تماس مباشر مع التاريخ والواقع الذى نعيشه، فالصور مصدراً متميّزاً للتأريخ، كونه يحمل أبعاداً ثقافّية وتعليميّة كبيرة من وراء كل صورة، للتعريف بماضى مصر وحاضرها.