أكثر من 12 عاما على رحيل الأديب العالمى نجيب محفوظ، ولا يزال الشغف عن سيرته وأعماله وشخصياته الدرامية، ففى عام 2018، ومع الاحتفال بالذكرى الثانية عشرة على رحيل صاحب نوبل، وفى الذكرى الثلاثين على حصوله على الجائزة لم يغب عن أعين المشهد الثقافى، بل وضح الشغف الكبير، بالكتابة عن نجيب محفوظ، سواء كان عن سيرته أو رواياته، أو حتى نشر قصصا جديدة لم تنشر له من قبل.
ولك أن تتخيل عزيزى القارئ أن الأسبوع الماضى فقط صدر نحو ثلاثة كتب تتحدث عن أديب نوبل، الأول كان عن دار صفصافة للنشر، وهو كتاب يحمل عنوان ثلاثون عاما فى صحبة نجيب محفوظ للكاتب الدكتور محمود الشنوانى، فيما صدر للكاتب والناقد مصطفى بيومى، كتابا بعنوان "المسكوت عنه فى عالم نجيب محفوظ" الصادر عن مؤسسة مجاز، وصدر لنفس الكاتب أيضا رواية بعنوان "أما بعد" تتناول أثر بعض شخصيات الأديب العالمى نجيب محفوظ الأدبية، عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، وربما لم يمر الأسبوع مرور الكرام، إذ أعلن خلاله الكاتب الصحفى محمد شعير، عن تحضيره لكتاب "سيرة طفولة نجيب محفوظ" خلال الفترة المقبلة.
العام الحالى كان شهدا على العديد من الدراسات حول صاحب "ميرامار" ولعلها أشهرها وأكثر نجاحا كتاب الكاتب الصحفى محمد شعير الذى جاء بعنوان "أولاد حارتنا: سيرة الرواية المحرمة، ومن الكتب التى صدرت أيضا وحققت رواجا كتاب بعنوان "نجيب محفوظ ناقدا" وهو للدكتور تامر فايز أستاذ الأدب المقارن بكلية الآداب جامعة القاهرة.
وعن الشغف بالكتابة عن نجيب محفوظ، وما قدمه أديب نوبل إلى الأدب المصرى والعربى، قال الدكتور تامر فايز أستاذ الأدب العربى الحديث والمقارن بكلية الآداب جامعة القاهرة، إن أعمال الإبداعية لها ما يميزها عن باقية الإبداعات الأدبية، وعلى رأس هذه السيمات ما هى يمكن أن يسمى بالأدب العالمى، ذلك الذى فهمه نجيب محفوظ على أنه نوعا يجب الاعتراف به فى الحضارات الغربية، كما أنه ادبا يجب يعبر عن جوهر الإنسانية، وليست عن قضايا محلية فحسب، لذلك فقلما أراد قارئ فى حضارة أن يحث عن هوايته فيما قدمه نجيب محفوظ يجده ماثلا فى أعماله.
وأضاف "فايز" فى تصريحات خاصة لـ"انفراد" أما عن كتابى "كتاب نجيب "محفوظ ناقدًا: مقاربة تأويلية لحوارته فى المجلات الأدبية" كنت أبحث فيه عن متن نصى أو عن خطاب جديد يمكن أن نرى "محفوظ" من خلاله عن رؤية مغايرة أو جديدة، وقد وجدت ذلك فى الكثير من الحوارات التى نشرت فى المجالات الأدبية المصرية والعربية على مدار أكثر من نصف قرن من الزمان، وهو ما قمت بجمعه فى الكتاب ثم بعد قراءات متتالية ومتعمقة فى هذه الحوارات تكشف لدى نجيب محفوظ فى حلته الجديدة وهى صورة نجيب الناقد، تلك التى لم يهتم بها دارسى نجيب محفوظ حيث اهتم نقاده بشكل واضح فى صورتين أساسيتين، الأولى تتمثل فى بحث الذات المحفوظية، والصورة الثانية تمثلت فى دراسة إبداعاته الأدبية وعلى رأسها أعماله الروائية.
ولفت الدكتور تامر فايز: أنا فى كتابى بدأت بمدخل رصدرت فيه تصحيح بعض الصور المغلوطة أو المعلومات عن شخص نجيب، وعن غبداعاته، ثم المدخل الثانى رصدت أهم الألوان النقدية فى حوارات نجيب محفوظ، فرأيته ساردا أو ناقدا للذات أى لذاته، ثم هو ناقدا تنظيريا لكافة الأنواع الأدبية وعلى رأسها الرواية ثم ظهر فى الفصل نفسه كناقد تطبيقى لبعض من إبداعاته وابداعات كتاب آخرين.
وتابع أستاذ الأدب العربى، بعد ذلك رصدت أيضا التأثيرات الواضحة لهذه الآراء الناقدية، التى ورت فى حوارات نجيب على النقد الأدبى العربى، لاسيما من انتقده أعماله وعقدت عدة أمثله للتدليل على صحة هذه الفرضيات، جاء على رأسها ما قدمه الناقد الكبير غالى شكرى فى كتابه "المنتمى"، الذى اعتمد فى كثير من فرضياته على ما أدلى بها محفوظ فى حواراته، وهو ما يتبدى للقارئ منذ الوهلة بل وفى السطر الأول من الكتاب والذى اعتمد فيه "غالى" على تصريح محفوظ بأنه كمال عبد الجواد فى "الثلاثية".
وأوضح "فايز": والأمثلة الأخرى عديدة يصعب حصرها، كما رصد الكتاب فى فصل آخر، كيفية تحول هذه الحوارات المحفوظية إلى نوعا من السرد القصصى، خاصة عندما كنا يسأل عن رائيه فى بعض الأحداث التاريخية كثورة 1919، وحينها تحول رصده إلى ما يشبه قصص قصيرة متكاملة، ثم بعد ذلك جاء بعد ذلك كتاب فصل آخر فى الكتاب يرصد أهم مكونات أو عناصر ما يشبه نظرية نقدية متكاملة يمكن أن يتكشفها الناقد حال عمل النظرية الكلية التحليلة لهذه الحوارات، وهو ما اعتمدت فيه على المفوم الأشمل للنظرية، باعتبارها مجموعة من الأفكار أو الأطروحات النظرية التى يتبناها أى ناقد أو مفكر تجاه موضوع بعنيه بشرط أن تكون هذه الأفكار متناسقة مع بعضها البعض ونابعة من المجتمع وموجه إليه وأن تكون قابلة للتطبيق، وهو ما حاول الكتاب البرهنة عليه بما ورد فى هذه الحوارات المحفوظية، وأخيرا قام الكتاب بصيغة مفرد بأهم المفاهيم والاصطلحات الفكرية والفنية عامة، والأدبية والنقدية خاصة، كما فهمها "محفوظ" ومن ثم ستظل الخطابات التى قدمها نجيب سوا كانت أعمال إبداعية أونقدية أدلى بها فى حواراته قابلة للتأويل والتكشف الجديد فيها، قلما قرأت بوجهة نظر مغايرة بحثا عن مزيد من التعمق فى فهم هذا الكاتب العالمى.