تحل غدا الثلاثاء الذكرى المئوية لميلاد الزعيم الراحل أنور السادات، ويمكن القول إن "الحضور الثقافى لبطل الحرب والسلام متوهج دوما ولا يغيب عن الذاكرة الوطنية المصرية".
وفى سياق احتفال مؤسسات الثقافة المصرية بالذكرى المئوية لميلاد الزعيم الراحل أنور السادات، يعقد المجلس الأعلى للثقافة اليوم، الاثنين، مؤتمرا ثقافيا بعنوان "السادات بطل الحرب والسلام"، ومن المقرر أن تتحدث خلاله وزيرة الثقافة إيناس عبد الدايم، كما أقيمت احتفالية أمس بالمسرح الكبير فى دار الأوبرا قدمت فيها مختارات موسيقية وغنائية من أعمال فنية وطنية.
وتحتضن مكتبة الإسكندرية متحف السادات فى إطار توثيق هذا الصرح الثقافى لتاريخ مصر الحديث والمعاصر، ويضم المتحف مقتنيات بطل الحرب والسلام وكتبه والخطب التى ألقاها وخطاباته ووثائق مرحلته التاريخية وتسجيلات مرئية وصوتية وأوراقه الشخصية التى تتضمن قصة قصيرة كتبها بخط يده.
وكان مدير مكتبة الإسكندرية الدكتور مصطفى الفقى أعلن أن المكتبة تحتفى احتفاء خاصا بمئوية مولد السادات ودوره التاريخى باعتباره رجل دولة من طراز رفيع، وصاحب قرارى الحرب والسلام، ونموذجا للمصرى المناضل فى مراحل عمره المختلفة.
والسادات نموذج للمناضل الوطنى الجامع بين السياسة والثقافة، ويكشف فى كتابه "البحث عن الذات" عن اهتمامات مبكرة بعالم الكتب والإصدارات الثقافية الجديدة وحرصه على متابعتها وتفاعله الإيجابى مع الأفكار التى يصافحها كقارئ و"توليد طاقة إيجابية تساعده فى مسيرته النضالية".
والرئيس الراحل أنور السادات الذى ولد يوم الخامس والعشرين من ديسمبر عام 1918 فى قرية ميت أبو الكوم بمحافظة المنوفية واستشهد يوم السادس من أكتوبر عام 1981 فى ذكرى يوم الانتصار المصرى فى حرب السادس من أكتوبر عام 1973 شكل مصدر إلهام لروائيين كبار.
وفى مقدمة هؤلاء الروائيين الكبار الأديب النوبلى المصرى الراحل نجيب محفوظ صاحب رواية "يوم قتل الزعيم" فضلا عن رائعة "أمام العرش" التى تقول فيها إيزيس عن السادات "بفضل هذا الابن ردت الروح إلى الوطن واستردت مصر استقلالها الكامل" بينما يرحب به أوزوريس "بين الخالدين من أبناء مصر".
ولئن كان كتاب "السادات" للكاتب الصحفى والروائى والمؤرخ الفرنسى روبير سوليه قد حظى بحضور واهتمام لافتين فى الثقافة الغربية فها هى الكاتبة والشاعرة التونسية الدكتورة آمال موسى تشيد باحتفالات القطاعات الثقافية المصرية بالمئوية الأولى لمولد السادات معتبرة أنها "علامة إيجابية جدا تعكس فهما عميقا وواسعا للثقافة" فيما شددت على أن سيرته الثرية "ليست عادية بالمرة".
وأضافت فى طرح بجريدة الشرق الأوسط التى تصدر بالعربية من لندن أن من يطلع على تفاصيل حياة الرئيس أنور السادات "يشعر وكأنه أمام بطل روائى فحياته مليئة بالتجارب والأحداث الخطيرة ومركبة على نحو عجائبى بعض الشىء".
ومن هنا لن يكون من الغريب أن تشكل هذه السيرة الثرية لزعيم يحمل ضمن مكوناته المتعددة "روح الفنان" وكان حريصا على الاحتفال بعيد الفن وتكريم الفنانين مادة درامية تجلت فى أفلام سينمائية لعل أشهرها فيلم "أيام السادات" الذى قام ببطولته الفنان الراحل أحمد زكى كما حضرت شخصيته التاريخية فى سياقات متعددة لمسلسلات تلفزيونية.
ولاريب أن شخصية بحجم ووزن وثراء الرئيس أنور السادات تشكل معينا لا ينضب للدراسات الثقافية فى حقول متعددة ناهيك عن مجال العلوم السياسية وهو الذى تعددت خبراته الوطنية والنضالية ومواقع عمله ما بين السياسة والصحافة ومنظمة المؤتمر الإسلامى والبرلمان حتى اختاره الرئيس الراحل جمال عبد الناصر نائبا له ليصبح خليفته بعد رحيله فى مرحلة بالغة الدقة ومشحونة بالتحديات الجسام .
وفيما اكتسب خبرات مباشرة بشأن أوضاع الكادحين أثناء نضاله الوطنى قبل ثورة 23 يوليو 1952 كما كابد مرارة السجن حظى أنور السادات بثقافة شعبية عميقة أتاحت له التواصل والتناغم مع نبض رجل الشارع بقدر ما تفوق فى "الخداع الاستراتيجى لتحقيق الأهداف الوطنية المصرية".
ويجمع الباحثون والدارسون لسيرة الزعيم الراحل أنور السادات على أنه تمتع "بمرونة مثيرة للدهشة مكنته من إدارة تحولات جوهرية فى الحياة المصرية وفقا لتصوراته الوطنية فى ضرورات الانفتاح الاقتصادى وفتح أبواب التعددية الحزبية والتعاطى الواقعى مع حقائق توازن القوى فى العالم"
ولعل ذلك كله تجلى فى "مبادرة السلام" التى أطلقها فى خطاب بمجلس الشعب يوم التاسع من نوفمبر عام 1977 لاستكمال عملية تحرير التراب الوطنى المصرى فى سيناء التى بدأت بقراره التاريخى بخوض حرب السادس من أكتوبر 1973 ليستحق عن جدارة لقب "بطل الحرب والسلام".
وهكذا حق القول بأن السادات صاحب رؤية متكاملة فى السياسة الدولية ومعادلات القوة الشاملة وعناصر الدبلوماسية التفاوضية فى مزيج فريد يجمع مابين استشراف الحلم وحقائق الواقع لتحقيق مصالح شعبه وأمته.
والرئيس الراحل أنور السادات الذى حصل على جائزة نوبل للسلام عام 1978 من أصحاب الأقلام وعرفته الصحافة كاتبا بدار الهلال ورئيسا لتحرير جريدة الجمهورية التى أسست عام 1953 كجريدة معبرة عن ثورة 23 يوليو، فهو من القادة التاريخيين أصحاب الكتب والكتابات والنفس السردى المشوق مع عناية بجماليات التعبير دون تكلف الأمر الذى صنع لنصوصه قدرا كبيرا من الجاذبية للقراء كما هو الحال فى كتابه الشهير "البحث عن الذات" الذى تبرع بإيرادات مبيعاته فضلا عن قيمة جائزة نوبل لتطوير قريته ميت أبو الكوم وتحسين نوعية الحياة لأبناء هذه القرية المصرية .
وعندما قرأ الزعيم الراحل جمال عبد الناصر مسودة كتاب "أسرار ثورة يوليو" بقلم أنور السادات كتب مقدمة للكتاب جاء فيها :"إن هذا الكتاب هو خلاصة البواعث الخفية والأسباب السيكولوجية لثورتنا السلمية".
ومؤلفات أنور السادات مثل "قصة الثورة كاملة" وثورة على النيل" و"يا ولدى هذا عمك جمال" و"30 شهرا فى السجن" و"الصفحات المجهولة للثورة" تسهم فى إضاءة التاريخ ومن ثم المستقبل أمام الأجيال الجديدة فى هذا الوطن فيما تكاد هذه النوعية من الكتب أن تكون بمثابة "وثائق تاريخية تسجل خبايا مراحل هامة فى تاريخ مصر وأمتها العربية بقدر ما تخدم المؤرخين المتخصصين الذين يمكن أن يستندوا إليها فى جهدهم الفكرى المستقل".
واللافت بالفعل أن تجربة الطبعات الجديدة للإصدارات من كتب الرئيس الراحل أنور السادات وآخرها كتاب "وصيتى" حظت بنجاح كبير بقدر ما كشفت عن إقبال واضح من القراء خاصة الشباب الذين يتطلعون للتعرف على خبايا مراحل تاريخية مهمة فى مسيرة مصر وأمتهم العربية.
ولكثير من الأدباء والفنانين ذكرياتهم الجميلة مع "بطل الحرب والسلام" وعلى سبيل المثال فإن الكاتب والشاعر الكبير أحمد عبد المعطى حجازى يستعيد بإجلال أن واقعة غضبته لكرامة مصر والمصريين فى احتفالية بباريس عندما رد بقوة على شخص تطاول على مصر وأدت هذه الواقعة لذوبان الجليد بينه وبين الرئيس الراحل أنور السادات الذى دعاه بسبب هذا الموقف للقائه واحتفى به.
وأوضح حجازى أن الكاتب الصحفى الراحل أحمد بهاء الدين تطرق لهذا الموضوع فى عموده بصحيفة الأهرام وكانت القصة كلها قد وصلت للرئيس أنور السادات الذى صمم على دعوتى للقائه رغم الخصومة السياسية الحادة بينهما.
واستعاد الشاعر أحمد عبد المعطى حجازى وقائع اللقاء المثير مع الرئيس الراحل أنور السادات باستراحة الرئيس فى المعمورة يوم الثالث من سبتمبر عام 1981 مشيرا إلى أنه حظى باستقبال هو والسيدة قرينته اشبه باستقبال الرؤساء وقادة الدول الذين يزورون مصر واستمر اللقاء أكثر من ساعة ونصف الساعة ونوه بشخصية السادات المرحة وقوله بأنه يكتب أيضا شعرا لا يقل جودة عن شعره.
والرئيس الراحل أنور السادات كان فى الواقع صاحب "الخلطة السحرية" لدعاء أو أغنية دينية شهيرة اقترنت بشهر رمضان وهى أغنية "مولاى" فهو الذى اقترح فكرة التعاون بين الموسيقار الراحل بليغ حمدى والمنشد العظيم سيد النقشبندى بكلمات الشاعر عبد الفتاح مصطفى.
أما فنان الكاريكاتير أحمد طوغان الذى قضى فى الثانى عشر من نوفمبر عام 2014 عن عمر يناهز ال88 عاما وكان نموذجا للمثقف الوطنى الذى انخرط بقوة فى غمار الحياة الثقافية والسياسية المصرية منذ أربعينيات القرن العشرين فقد ارتبط بصداقة وثيقة مع الرئيس الراحل أنور السادات الذى وصفه بأنه "فنان صنعته الآلام" وهو الوصف الذى استخدمه أحمد طوغان فيما بعد كعنوان لسيرته الذاتية.
بدوره كان الفنان الراحل الكسندر صاروخان الذى ولد عام 1898 وقضى عام 1977 والذى يعد بحق من الرواد المؤسسين لفن الكاريكاتير بمصر من المدافعين باقتناع عن مباديء ثورة 23 يوليو 1952 وزعيمها جمال عبد الناصر تماما كما دافع عن انجازات انور السادات "بطل الحرب والسلام"...سلام عليه فى المئوية الأولى لمولده وهو الحاضر دوما فى الضمير الوطنى المصرى لأنه "قبس من روح مصر الخالدة وثقافتها الإنسانية الأصيلة".