فى شوارع القاهرة وبعد يوم عمل طويل وبروح منهكة حد التلاشى، كان يتلو على قصائده القصيرة المدببة فاتحًا نوافذ روحه على جروحها التى لم تندمل بعد، كان يتلو وكنت أودُّ ألا ينتهى من تلاوته ليتركنى كعادة الشعر على حافة الملكوت ..
وحيد
وبتوَنّس بأنفاسى
والوحدة زى العتمة
والحلم زى العلم
زى الانتظار
زى المواجهة
زى الفرار
........
ثم ماذا يا صديقى ؛ الرصيف لا يتحمّل حزننا الذى يغير طبعه معنا ليبدأ كبيرا وينتهى وحشًا يأكل ما تبقى من أيامنا.
يضحك جمال فتحى بمرارة العارف الذى يُصِرُّ على السؤال أو بالأحرى التساؤل - أأنا موجود فعلا؟! أم أننى أُمثِّلُ دورى وأنظر على نفسى من الخارج كأى مشاهد متحيز أو غير متحيز، وهذه أفدح وجوه القسوة التى يمكن أن ينتهى إليها السؤال..
يا أسفلت الطريق يا عديم القلب!
خليك رحيم بيّا
واحضن تعب خطوتى
دى الشمس فوقى قدر
والسكه طوّالى
شايل فى جوفى الأمل
وفوق ضهرى سؤالى
ولا حد بيحاوب
ولا حد عالم بحالى
...........
هكذا يجلد فتحى أناه ممسكًا بتلابيب ضمير المتكلم كأنه يؤسس صاخبا لحضور لا يستطيعه كاملا مستعليا فى ذلك كله على ما يحيط به من سياقات مجتمعية قطيعة ومنهزمة واضعا نفسه فى مهب النص مباشرة كطوق نجاة أخير يمكن أن يعتصم به الإنسان ليؤكد حضوره الآخذ فى التلاشى ...
حزين !
عادى
وإيه يعنى؟!
ما قلبى زيى حزين
خسرت كتير
وإيه يعنى
منا بخسر بقالى سنين
وعمرى ما قلت يا خساره
شبعان هزايم آه
ما قلتش لأ
بس الهزايم طَعمتِنى بالجسارة
وخلت حلمى
جلده تخين
.......
لابِس مَزّيكا الديوان الذى كنت أخشى مواجهته كاملا فى هيئة كتاب يعيدنى أنا وكاتبه إلى لحظات تلاوته تحت وطأة حزننا الوجودى فى شوارع القاهرة ذات الأرصفة التى عبَّدها أنين المتعبين من أيامهم، ، لابس مزيكا قفزة جديدة هائلة يقطعها جمال فتحى نحو الشعر ذلك المحرم المغرى بارتكابه جَهْرًا وإن كره المرجفون .