بعد صدور "الميثاق الوطني" الذى كتبه محمد حسنين هيكل بالنيابة عن الزعيم الراحل، وكان بمثابة دستور الحكم وقتها، أراد عبد الناصر أن يعرف رأى الناس فى "الميثاق"، فخرج لوحده متخفيا إلى أقرب قهوة. وهناك رأى أحد أولاد البلد جالسا بمفرده فحيّاه واستأذنه ثم جلس بجانبه، وطلب 2 شاى له ولجليسه، وعزم عليه بسيجارة فأخذها الرجل شاكرا، وراحا يدخنان بشغف.
وتبادل الرجلان حديثا وديا مستفيضا فى أحوال الدنيا وتكاليف الحياة. ولمّا أحس عبد الناصر أن الرجل اطمأن له، ولا يظنه مخبرا فى المباحث العامة، سأله: إلّا قل لى صحيح.. إيه رأيك فى "الميثاق"؟ قال الرجل بحماس: أنضف من "الكليوباترا"!
هذه النكتة ضمن كتاب يصدر قريبا بعنوان "جمهورية الضحك الأولى: سيرة التنكيت السياسى فى مصر" للكاتب طايع الديب عن دار "بتانة". والكتاب سيتم طرحه فى معرض القاهرة الدولى للكتاب المقبل، وهو يعرض سيرة النكت السياسية بدءًا من عهد عبد الناصر مرورا بعصر السادات، وصولا إلى أيام مبارك، وحتى ما بعد ثورة 25 يناير.
ولأول مرة، فى تاريخ دراسة أدبيات النكتة المصرية، يرصد الكتاب ظاهرة "نقل النكت" من مصر إلى الدول العربية، وإعادة صياغتها بحيث تتناسب مع هذه الدول، ومن ذلك النكات التى استهدفت الرئيس السورى الراحل حافظ الأسد الذى حكم البلاد سنوات طويلة إلى درجة أن السوريين أطلقوا عليه "الرئيس حافظ الأبد"!
والكتاب، هو "مستطرف" من فن التنكيت السياسى فى عهد الجمهورية الأولى - والأخيرة- يجمع عصور الرؤساء الثلاثة فى سلة واحدة، ويحكى سيرة النكت التى عرّضت بهم، لكنها فى الوقت نفسه - صدّق أو لا تصدق- غيّرت قوانين راسخة فى دولاب الدولة، وأنصفت فئات اجتماعية مهضومة الحقوق، كما حظيت هذه النكت المصرية الحرّاقة باهتمام الأوساط الأكاديمية فى العالم، من جامعة "السوربون" فى باريس إلى مختبرات العلوم الاجتماعية فى موسكو، باعتبارها نوعا فريدا من الإعدام السياسى "رميا بالنكات".