فى العصور الحديثة تتنوع أشكال أنظمة الحكم، والنظم الاقتصادية السياسية التى تسير عليها الدولة والحكومات، لكن فى التفتيش فى التاريخ، نجد أسئلة تطرح عن نفسها، عن شكل النظام السياسى عند السابقين، وإلى أى شكل عصرى يمكن تصنيفها.
ولعل الدولة الإسلامية التى أسسها النبى محمد (ص)، وجاء من بعده خلافه الراشدين، أسست بعد مظاهرها لشكل الدولة الذى استمر لعدة قرون، فيكف كان حكم أبو بكر الصديق، وكيف نصف نظام حكم الفاروق عمر، وهل اختلفت ولاية عثمان ومن بعده على، بما سابقوهم من الخلفاء.
التشريح السياسى لأنظمة حكم الخلفاء الراشدين كان محور العديد من الدراسات لكبار الكتب الذى حاولوا تقديم صورة عصرية لفترة حكم صحابة النبى (ص).
أبو بكر الصديق
يصف الأديب الكبير عباس العقاد، فترة حكم أبو بكر الصديق قائلاً: "الديمقراطية ولا ريب هى أقر النظم إلى نظام الحكم فى عهد الصديق"، مشيرًا إلى أنه إذا كانت حكومة الخلافة الأولى بعد رحيل النبى محمد (ص)، لم تقرر الديمقراطية على أساسها العصرى المعروف، فهى لا ريب، قد أبعدت مبادئ الأوتوقراطية (حكم الفرد)، ومبادئ الثيوقراطية (الحكم الدينى)، ومبادئ الأليجاركية (حكم الأقلية)، وسائر المبادئ التى لا تستقيم مع حرية الفرد ومع الفطرة السليمة.
وحول عن شكل الحكومة من حيث علاقتها بشخص الخليفة وخلائقه النفسية فخلائق أبى بكر التى عرفناها دليل عليها: عفة وصدق ودعة وحزم وأناة وكَيس، وكل ما يعهد من هذه الخلائق فهو معهود من الخليفة الاول فى جميع ما حكم به وتولاه.
عمر بن الخطاب
أما عن سياسة الفاروق عمر بن الخطاب، فيرى الأديب الكبير عباس العقاد، أن سياسة ثانى الخلفاء الراشدين فى بساطتها وتقشفها تختلف عن أى من حكام العصور الحديثة، وكانت عيشة الرجل الفقيرة أعون له على تثبيت عقيدة حكمه.
طبيعة الجندى عند عمر بن الخطاب، فرغم طبيعته الحادة فكان لا يتوانى فى أن يتعرض للصفح والغفران، وكان غنى بما عرفه الناس من مروءة، ولم يكن عنده نقص يعاب بمقياس التفكير أو مقياس الأخلاق، فكان الفاروق يقضى فى الحقوق الشخصية بفقه الخاص الذى يأتى مغاير لكل الإجراءات العصرية فى الرأفة بالناس.
كان يجازى الوالى جزاء المثل عن كل مظلمة وقعت على أحد رعاياه، وكان يحصى أموالهم ثم يستضفى ما زاد عليها كلما فشت ولا يخبرونه عن مصدرها.
عثمان بن عفان
يرى عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين فى كتابه "الفتنة الكبرى ج1"، إن سياسة عثمان بن عفان قد انحرفت عن سياسة سالفه الفاروق عمر بن الخطاب، فأنشأ طبقة "الرأسماليين"، الذين أسرفوا على أنفسهم فى الملك والتوسع فيه، فليس ما يمنع الثائرين من أن يكفوا يد عثمان وعماله هذه السياسة وإن اقتضى ذلك الانحراف عن سيرة عمر.
فيما يوضح الأديب الكبير عباس العقاد، فى كتابه "ذو النورين" أن سياسة ثالث الخلفاء الراشدين، كانت ترمى إلى تولى أصحاب النفوذ وعلية القوم فى المناصب إرضًا لهم وتوسلام لمقامهم بين الدهماء إتقاءً للفوضى، كما فرض لأصحابة ضعف ما كانو يأخذونه من الأعطية قبل خلافه، ولعل آفة حكم عثمان كانت حب القرابة فهو مبالغ فى إيثاره لذوى قرباه.
الإمام على بن أبى طالب
"على بن أبى طالب رجل شجاع، لا دخل لا دخل له بخدع الحرب والسياسة"، هكذا وضح الأديب الكبير الراحل عباس محمود العقاد، فى كتابه "عبقرية الإمام"، حول الأحكام المتداولة عن سياسة رابع الخلفاء الراشدين أثناء وبعد توليه الخلافة.
ولعل فترة حكم الإمام على، كانت تختلف شكليا وكليا عن فترة سالفه عثمان بن عفان ومن قبله الفاروق عمر بن الخطاب، حيث نأشت خلافة ابن عم النبى محمد (ص)، شفا الخطر فى إبان الفتنة الداخلية بين على ومعاوية، بعد مقتل عثمان، وعلى هذا انقضت فترة حكم الإمام دون أى سياسة خارجية تحسب سواء فتوحات أو دفاع أو مفاوضة واستطلاع، لكنها كانت من قبيل سياسة الحكم بينه وبين رعاياه، أو السياسة الداخلية كما نسميها الآن.
ويصف "العقاد" السياسة الداخلية والتى عملت على المساواة العامة فى الحقوق، فى تجربة أشبه للنظم الاشتراكية فى العصور الحديثة، فكانت الناس فى الحقوق عنده سواء، وعمد إلى القطائع التى وزعت قبله على المقربين، فانتزعها من القابضين عليها وردها إلى مال المسمين لتوزيعها بين من يستحقونها.
ويوضح العقاد أن الإمام كرم الله وجه كان يذكر دائما فى حكومته أن الحقوق العامة لها شأن لا ينسى مع حقوق الأفراد.