يحتفظ متحف اللوفر بباريس بقطعة من العاج تعود إلى أوائل القرن السابع الميلادى، تصور القديس مرقس الإنجيلى جالسا على كرسيه فى المقدمة ومحاطا بمجموعة من الأساقفة المجتمعين معا تحت بوابة المدينة، وفى الخلفية أشكال صغيرة لشخوص بشرية يستندون على نوافذ وشرفات منظر مصغر للمدينة، صورة مساكن مدينة الإسكندرية فى أواخر العصور القديمة، يسترقون السمع والنظر إلى الجمع المقدس المحتشد أسفلهم.
تنقل هذه القطعة الفنية السكندرية التى نحتت عشية الفتح العربى لمصر للمشاهد إحساسا مجسدا حيا ببروز الهوية الذاتية الناشئة للكنيسة القبطية وبطاركتها خلال الستة قرون والنصف الأولى من وجودها. يظهر القديس مرقس على رأسه هالة القداسة، وحجمه مكبر مقارنة بباقى الشخصيات، جالسا مكرما وعلى الكرسى الرسولى، ممسكا بإنجيله بيسراه، رافعا يده اليمنى بإشارة البركة، يعتبر القديس مرقس هذا وفقا لتقاليد الكنيسة، مؤسس الكنيسة المصرية، وأول أسقف فى سلسلة من الأساقفة (المعروفين أيضا ببطاركة أو بابوات الإسكندرية) سيخلفوه فى قيادة الكنيسة.
يفهم من وجود الخمس والثلاثين أسقفا، فى قطعة متحف اللوفر، الواقفين على شكل نصف دائرة حول القديس مرقس، أنهم يمثلون خلفاءه التالين كبطاركة أو بابوات للإسكندرية.
هذا ما قاله كتاب "بابوات مصر.. الكنيسة المصرية وقيادتها فى أواخر العصر القديم"، تحرير ستيفن ديفيز، ترجمة مجدى جرجس، والصادر عن المركز القومى للترجمة.
ويمثل هذا الكتاب المجلد الأول من سلسلة تتكون من ثلاثة مجلدات حول بابوات مصر، والتى ستغطى تاريخ بطريركية الإسكندرية (البابوية المصرية) منذ بداياتها وحتى الوقت الحاضر، عصر البابا شنودة الثالث.
والكتاب يقدم قراءة نقدية لتاريخ الكنيسة القبطية منذ تأسيسها وحتى دخول العرب مصر. وهو لا يقدم تاريخا حوليا للكنيسة القبطية، ولكنه يعيد قراءة تاريخها وتفسيرة من خلال مناقشة كيفية توظيف خطابات بعينها، لتشكيل هوية الكنيسة القبطية وترسيخها، وكانت خطابات: الرسولية، والاستشهاد، والرعاية الرهبانية، والمقاومة اللاهوتية، هى عصب مناقشات هذا الكتاب الذى استطاع المؤلف من خلالها إعادة كتابة تاريخ الكنيسة فى تلك الفترة.
