كتاب "الإنثروبولوجيا الاجتماعية للأديان"، للكاتب كلود ريفيير، ترجمة الدكتور أسامة نبيل، عضو مركز حوار الثقافات بالأزهر، وصادر عن المركز القومى للترجمة، يستحضر خلال منهجية مقارنة وتاريخية، علم الأنثروبولوجيا الدينية والمعتقدات والأساطير والسحر، والأعياد والطقوس، وممارسات قراءة الطالع والمس.
المؤلف يذكر أنه عند الكتابة درس الدين باعتباره تجربة وليس عقيدة، وأنه درس الأسلوب الذى تؤثر به العقائد على الحياة، موضحًا أن الأنثروبولوجيا تدرس الغريب فى سلوك الإنسان من منظور انتمائه لدين من الأديان، فنجد السلوكيات التى تحدث باسم الدين شىء والدين نفسه شىء آخر.
والكتاب يلفت النظر إلى الاختلاف بين السلوكيات والعقيدة، فعلى سبيل المثال الاعتقاد فى الأولياء الصالحين سلوك وليس عقيدة، فالعقيدة هى الثابت والسلوك هو المتغير، كأن أقول إننى أعتقد وأؤمن بوجود الله، وسلوكى الدينى الذى أفعله هو مجرد محاولة للتقرب إلى الله الذى أعتقد فى وجوده.
والكتاب الذى يتكون من خمسة أجزاء وثلاثة عشر فصل، تحدث عن الأشكال الافتراضية للدين البدائى، وأشار الكاتب إلى أن ممارسة الشعائر بشكل عام تكون بسبب دوافع للبحث عن الإيمان وطرد الخوف، فالإنسان فى احتياج للشعور بالسلام الداخلى والأمان، حيث أن السلام الداخلى يساعد على التخلص من الأمراض والرفع من المناعة انطلاقًا من الشعور بالسعادة.
وتطرق "كلود ريفيير" إلى الحديث عن الممارسات الغريبة والشعائر التى يقوم بها البعض، والتى تتشابه فى جميع المجتمعات حتى المتقدمة منها، مما يشير إلى وجود قواسم متعددة لجميع الثقافات، فمثلاً لجوء الشخص المسروق إلى الدجال لمعرفة من سرقه، يعد بحثاً عن حلول لمشاكله بمساعدة العرافين والدجالين (الذى يراهم رجال دين أولياء ومكشوف عنهم "الحجاب" ولهم علاقة بعوالم الجن)، وبشكل عام فإن الكتاب يلقى الضوء على الإنسان الذى يريد أن يتعلق بالدين ولكن بطريقته الخاصة.
ويطرح الكتاب العديد من التساؤلات حول السحر والشعوذة وهل يعتبر السحر انحرافاً عن الدين أم لا، ويجيب الكاتب بأن هذا السؤال يضطرنا إلى اللجوء إلى تفسيرات السحر والجماعات المعنية والممارسات والطقوس والأشكال والصياغات المكونة لعمليات السحر، وذلك كله يشبه التنبؤ وقراءة الطالع والتنجيم واستحضار الأرواح والتجلى، والوساطة بين الإنسان وعالم الأرواح فى العالم الحديث.
كما تكلم الكاتب عن الإيمان بالأساطير والخرافات، فيذكر أن الأسطورة فى أصلها فكرة حقيقية وواقع حدث، ولكنها تصبح على شكلها الأسطورى بعد مرور الوقت بسبب النقل الحر، وتتحول فى الأخير إلى خرافة بها نواة لحقيقة ما.
كما قدم تعريفًا للدين وللمقدس وعرضا لتساؤلات الأنثروبولوجيا عن الدين، كما كانت مفاهيم المقدس والمبالغة فيها محل نقاش وتحليل.
ويقول الكاتب فى تعريف الدين "شهد مدلول كلمة "دين" عبر القرون تنوعاً ولم يستقر إلا فى عصر النهضة.. وسنبين إنه لا يوجد عن شعوب كثيرة مقابل لكلمة "دين" على الرغم من وجود الممارسات الدينية، لكن ليس بالضرورة أن تكون هذه الممارسات منفصلة عن مؤسسات اجتماعية أخرى.