الدامابادا.. هى النص الأشهر والأجل على نطاق واسع للغاية بين النصوص المقدسة لبوذية الثيرافادا أو ما يعرف بـ"التبيباكا" فى اللغة البالية "لغة بالى"، والتى أصدرت الترجمة العربية لها دار الكرمة للنشر، فى القاهرة، ونقل نصوصها إلى اللغة العربية، الكاتب والمترجم محمد عبد النبى.
يندرج نص الدامابادا كجزء من المجموعة الثانوية "خوداكا نيكايا" غير أن شعبيته قد تجاوزت مكانته المتفردة بين المخطوطات المقدسة لتبلغ مصاف الأعمال الكلاسيكية الدينية فى العالم كله.
وضعت هذه المختارات القصيرة باللغة البالية القديمة كفقرات منظومة لتشكل موجزا مثاليا لتعاليم البوذا، وتشمل بين غلافيها جميع المبادئ الأساسية التى عرضت تفصيلًا فى أكثر من أربعين مجلد من إجمالى التراث البالى.
وفقا لتراث بوذية الثيرافادا، فإن كل بضعة أبيات فى الدامابادا تحدث بها البوذا فى الأصل استجابةً لموقف محدد.
وقد حفظت تلك الأبيات، جنبا إلى جنب شروحاتها، فى التعليقات الكلاسيكية على العمل، ودونها العالم الكبير بادانتاكاريا بوداجوزا فى القرن الخامس الميلادى اعتمادًا على مواد تعود إلى أزمنة قديمة للغاية.
بالرغم من ذلك، ارتفع مضمون الأبيات فوق الظروف المحدودة والمتعينة لأصلها، واستطاع أن يجتاز العصور ليصل إلى مختلف أنماط الناس فى شتى مواقف الحياة.
بالنسبة للإنسان البسيط وغير المثقف تعد الدامابادا ناصحًا عطوفًا؛ وعند الشخص المحمل بأعباء الذهن والثقافة فهى تعاليم واضحة ومباشرة تلهمه الخشوع والتأمل؛ وهى للساعى الجاد على السبيل منبعٌ دائمٌ ومتجدد للإلهام والإرشاد العملى.
الرؤى والأفكار التى ومضتْ من داخل فؤاد البوذا تبلورتْ وتشكلت فى تلك الأبيات المضيئة من الحكمة الصافية. كل فقرة منها مرشد نحو العيش الصحيح، وتعبيرٌ عميق عن الجانب العملى للروحانية.
يشير البوذا من دون أدنى غموض إلى أن كل من يتخذ من تعاليم الدامابادا أساسًا لممارسة جادة سوف يتذوق نعيم الانعتاق.
ترجمة نصوص الدامابادا
ونظرًا للأهمية البالغة لنص الدامابادا، فقد ترجم إلى لغات عديدة. فى اللغة الإنجليزية وحدها تتوفر له ترجمات كثيرة، بما فى ذلك إصدارات تعهد بها علماء أجلاء مثل ماكس مولر، وأيضًا دكتور إس. راداكريشنان.
تشويه نص الدامابادا
ويقول آشاريا بوداراكخيتا، الذى ترجم نصوص الدامابادا إلى الإنجليزية، إنه عند ترجمة الدامابادا على يد غير البوذيين عانت من بعض التشويه: تشكيلةٌ غير موفقة من الترجمات أفضتْ إلى تأويلات مغلوطة أحيانًا، بينما مالت ملاحظات الحواشى إلى التحامل وإصدار الأحكام.
ويوضح آشاريا بوداراكخيتا، أن هذه الترجمة فقد أنجزت أول الأمر فى أواخر خمسينيات القرن العشرين. قبل ذلك ببضع سنين، وعندما رجعت إلى عدد من الترجمات الإنجليزية للدامابادا، لاحظت أنها إما تفتقر إلى الدقة وإما أنها مفرطة الحذلقة، فشعرت بالتالى بأن ترجمةً جديدة تتجنب ذينك الحدين المتطرفين من شأنها أن تحقق هدفًا نفيسًا.
النتيجة النهائية لذلك المشروع، والمقدمة هنا، هى محاولةٌ متواضعة من أحد أتباع البوذية وممارسيها، لنقل روح ومحتوى التعاليم الأصلية، إلى جانب لغتها وأسلوبها.
ويشير آشاريا بوداراكخيتا إلى أنه من أجل الإعداد لهذا الكتاب اطلع على نسخ عديدة للنص باللغة البالية وعلى ترجمات الدامابادا إلى لغات أخرى كثيرة، بما فى ذلك السنسكريتية والهندية والبنجالية والسنهالية والبورمية والنيبالية.
وقد انتفعت - على وجه الخصوص - من ترجمات ممتازة أنجزها كلٌ من رجل الدين الموقر الراحل نارادا ماهاثيرا من فيجراراما، كولمبو، سيريلانكا، وأيضًا البروفيسور بهاجوات من بونا، الهند، فأنا أقر لهما بفضل كبير.
تحتوى بعض الفقرات على أحاجى أو إحالات أو تشبيهات قد لا تكون واضحة للقارئ، قدمت معانيها إما بين أقواس أو فى الحواشى، واعتمدت فى تفسيرها على شروح بادانتاكاريا بوداجوزا.
الأبيات المشروحة فى الحواشى مشارٌ إليها فى النص بعلامة نجمة فى نهاية الفقرة.
طبعات نصوص الدامابادا
الطبعة الأولى من هذه الترجمة صدرت عام 1959 والثانية عام 1966، وكلتاهما صدرتْ عن رابطة الماها بودى فى بنجالور، الهند. ثم خرجت طبعة ثالثة، بعد مراجعة النص بدقة بالغة، عن جمعية المنشورات البوذية عام 1985. أما بالنسبة للطبعة الرابعة الراهنة، فقد خضعتْ الترجمة من جديد لمراجعة معتبرة. العنوان الفرعي: "سبيل البوذا نحو الحكمة"، ليس حرفيًا، ولكنه يظهر أن جميع فقرات الدامابادا تنبع من حكمة البوذا وتقود من يتبعها نحو حياة تسترشد بهدى تلك الحكمة ذاتها.