تمر اليوم ذكرى رحيل الكاتب المسرحى الفرنسى الشهير موليير، الذى رحل فى 17 فبراير 1673 ميلادية، لكن قبل هذا الرحيل المفاجئ وبعده حدث صراع طويل بين "المسرحى" والكنيسة.
كان أساس هذا الصراع الكبير مسرحيته "طرطوف"، التى كتبها مولير 1664 وتناول فيها النفاق الدينى، مما أدى إلى فى غضب الكنيسة عليه؛ لدرجة أن أحد القساوسة طالب بحرقه حيًا.
وعن هذه المسرحية كتب إبراهيم العريس فى (الحياة): يتوجب علينا أن نذكر هنا كيف أن موليير نفسه اضطر لكتابة، وإعادة كتابة، مسرحيته ثلاث مرات على الأقل كيما يتمكن من تقديمها، إذ فى كل مرة كانت تقدم، كان أهل الجمعيات أو "التقوى" أو حتى أهل البلاط وأصحاب المصالح والمشارب المتنوعة والمختلفة يصرخون زاعقين مطالبين بمنع المسرحية، كذلك لا بد من أن نذكر تلك الحكاية التي تقول لنا إن الملك نفسه، الذى كان محباً لفن موليير راعياً له، حامياً لفرقته، شاهد "طرطرف" فى نسختها الأولى فى العام 1664، واستمتع بها كثيراً وضحك أكثر.. ولكنه فى اليوم التالى وجد نفسه يأمر بمنعها. لماذا؟ بكل بساطة لأنها أثارت غضب جمعيات الجانسينيين، الذين كانوا - كما أشباههم فى كل مكان وزمان وفى كل المجتمعات قديمة كانت أو جديدة - عيّنوا أنفسهم بأنفسهم حماة للأخلاق فى المملكة، كما أثارت غضب غير تلك الفرقة من الفرق الدينية التى كانت تعمل فى الخفاء، لكن نفوذها كان يطاول كبار رجال الدولة.
وهكذا اختفت المسرحية كما صاغها موليير للمرة الأولى، من دون أن يُعثر لها على أثر، كما اختفت أجزاء كبيرة من المسودات والمحاولات "التصحيحية". والحال أن ما نعرفه اليوم هو النص الثالث الذي كتبه موليير، بعد خمس سنوات من ظهور النص الأول ثم اختفاؤه. وكان موليير، بعد منع الملك النصّ الأول، أخفاه، ثم اشتغل فى العام 1667 على نصّ ثانٍ عنوانه "بانولف أو النفاق"، ولكن هذا النص الجديد سرعان ما مُنع بدوره تحت ضغط الجمعيات نفسها، وبناء على طلب رئيس مجلس النواب فى ذلك الوقت. وفى العام 1669، ظهر نص ثالث، مخفّف إلى أبعد الحدود، بحيث إن الجمعيات والسلطات لم تجد نفسها قادرة على منعه. وهذا النص، لا النص الأساسي، هو الذي نعرفه اليوم.. ومن الصعب، طبعاً، تصوّر ما كان عليه النص الأول فى تفاصيله وحواراته التى يبدو أنها كانت شديدة الجرأة. طالما أن موليير كتب المسرحية وهو معتقد أن فى وسعه تمرير أفكاره وغضبه على مدّعى الدين والأخلاق.