قال الناقد والباحث بمجال تحليل الخطاب مدحت صفوت، إن ميزة المفكر الراحل على مبروك تتمثل فى العلاقة بين أفكاره وما يحدث فى الشارع، ولم يكن مكتفيا بدور أستاذ الجامعة فقط، ولم يكتب كتبا أكاديمية ويكتفى بها، موضحًا أن قليلين من المشتغلين بالفلسفة الذين ربطوا بين كتاباتهم والواقع المعيش، ونكاد نعد الفلاسفة الذين نزلوا بالفلسفة إلى مجالات رجل الشارع، متخليين عن أبراج عزلتهم وكتاباتهم الأكاديمية، مترجلين إلى خوض غمار قضايا المجتمع الحقيقية، والعملية ذات الصلة المباشرة بالإنسان العادى.
جاء ذلك فى الندوة التى نظمها صالون ابن رشد الثقافى، لتأبين المفكر الراحل الدكتور على مبروك استاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة القاهرة، والتى شارك فيها الكاتب والباحث فى الدراسات القرآنية جمال عمر من الولايات المتحدة الأمريكية عبر "سكايب"، والناقد والباحث مدحت صفوت، والباحث فى الدراسات الإسلامية حسام الحداد، وأدراها الكاتب الصحفى أشرف راضى.
وأضاف مدحت صفوت أن المفكر على مبروك يختلف عن كثير من المفكرين، ويمكن أن نطلق عليه فيلسوف الشارع، من خلال البرامج الحوارية والندوات والمقالات بالجرائد اليومية وقد استطاع أن يمرر أفكاره للواقع المحيط. مستدركًا "غير أن الشعبوية سيف ذا حدين وكما تؤثر أنت فى الجماهير عليك الحذر من تأثيرهم عليك، الأمر الذى وقع فيه من قبل المفكر مراد وهبة الذى بدأ مناضلًا ضد الأصولية لينتهى به الأمر علمانى أصولى" على حد قوله.
ورأى صفوت أن مبروك قد تأثر برأى الجماهير فى العامين السابقين لرحيله؛ حيث إنه انحاز لرأى الشارع ودافع عن ممارسات استبدادية طالما رفضها، لكنه يظل الابن البار للعقلية الإسلامية النيّرة على امتدادها فى الزمان والمكان، حاضرًا فى الشارع والمسجد والجامعة وعلى المقهى وفى قاعات الدرس، كتجلٍّ بارز ولامع للصورة المثلى لما يجب أن يكون عليه “فيلسوف الشارع“.
وأنهى صفوت حديثة بالتساؤل حول كيفية استكمال مشروع على مبروك التنويرى والحفاظ على استمرارية التواصل مع العامة دون الانزلاق إلى تبرير الواقع أو تزييفه.
من جهته، تعرض الكاتب والباحث جمال للعمر للمشكلات التى تواجه الفكر فى مجتمعاتنا الشرقية، مشددًا على أن مبروك هو أحد رموز فترة التنوير عبر القرنين الماضى والحالى، ى وأنه أحد تلاميذ الدكتور حسن حنفى، استاذ الفلسفة بجامعة القاهرة وأحد أبرز المفكرين قى مصر والعالم العربى، لكنه ليس على شاكلته وهذا يرجع فى تميزه عن استاذه وزيله نصر حامد أبو زيد، فى كون الأول ولد مفكرًا بينما بدأ نصر طريقه باحثًا.
وأوضح جمال عمر أن الفارق بين المفكر والباحث أن الأول يبدأ طريقه برؤية واضحة ومحددة المعالم وفى طريق يعلم مسالكه منذ الخطوات الأولى، لكن الباحث يتتبع خطواته وتتتغير مواقف ورؤاه طبقًا للتطور المعرفى والمنهجى الذى يتحصل عليه، مبينًا أن مبروك اتسم بوضوح مساره الفكرى، وعدم وجود انقلابات أو فجوات معرفية نظرًا لفكرة "المفكر" الذى لازمته منذ البداية.
ووصف جمال عمر المفكر الراحل على مبروك بأنه الباحث الأهم عربيًا فى دراسة وتفكيك الخطاب الأشعرى، حيث أنتج مبروك 12 كتابا ثمانى كتب منها خصصها لنقض الخطاب الأشعرى.
ومن جهة ثانية، أكد حسام الحداد دور على مبروك فى ربط قضية التراث بالحياة اليومية للمسلم له مما أثر فى تحرير الخطاب الدينى من اللغط السائد نتيجة للثقافة البدوية العالقة بالتراث الأصولى والتى تؤثر على الحياة المعاصرة للفرد.
وأضاف الحداد أن على مبروك ليس فقط استاذا جامعيا، بل كان مشروعًا فكريَّا وثقافيًّا لم يمهله الوقت ليكتمل المشروع، فكان يفكر فى قضايا وإشكاليات علمية خاصة بالمرحلة الراهنة فهو امتداد لمدرسة تشق طريقها فى الفكر العربى بصعوبة شديدة، وهى مدرسة مُساءلة التراث بالعقل، فهو يربط القضايا التراثية بالواقع المعيش والحاضر، فضلًا عن عدم إغفاله للبعد التاريخى لهذه الظواهر.
وجدير بالإشارة أن الدكتور على مبروك ولد فى 20 أكتوبر عام 1958، وحصل مبروك على درجة الماجستير فى الفلسفة الإسلامية - علم الكلام عام 1988، وعلى درجة الدكتوراة فى الفلسفة عام 1995، من جامعة القاهرة.
وأصدر الدكتور على مبروك العديد من المؤلفات منها "النبوة..من علم العقائد إلى فلسفة التاريخ"، و"عن الإمامة والسياسة، والخطاب التاريخى فى علم العقائد"، و"لعبة الحداثة بين الجنرال والباشا"، و"ما وراء تأسيس الأصول...مساهمة فى نزع أقنعة التقديس"، و"الخطاب السياسى الأشعرى...نحو قراءة مغايرة"، و"السلطة والمقدس...جدل السياسى والثقافى فى الإسلام"، "ثورات العرب..خطاب التأسيس"، و"فى لاهوت العنف والاستبداد"، و"أفكار مؤثمة من اللاهوتى إلى الإنسانى".