فى كتابها "دانتى والشرق" الصادر عن المركز القومى للترجمة، تناقش بريندا شيلديغين العلاقة بين الكاتب الشهير صاحب "الكوميديا الإلهية" وبين الشرق وتراثه.
تذهب شیلديغین فى هذا الكتاب الذى ترجمه سمير كرم، يتمیز بالبحث الدقیق إلى أن معالجة دانتى للمشرق مكنته من أن يستخدم الخطابة التى كانت مستخدمة فى المرويات الصلیبیة وغیرها من أدب الرحلات، لكى يعارض الأهداف الأدبیة والجدالیة للحملات الصلیبیة، وأن يتطلع إلى إصلاح الكنیسة والدولة على السواء.
تؤكد شیلدغین معرفة دانتى بالمشرق عن طريق تفصیل إدراكه للجغرافیا التجريبیة ورسم الخرائط، اللذين كانا يتماشیان مع النظريات السائدة للقرنین الثالث عشر والرابع عشر. غیر أنها تذهب فى تدلیلها إلى أن دانتى يعارض التقالید التى كانت تسود فن رسم الخرائط ومعتقدات المرويات الصلیبیة، عن طريق استبدال الرحلات المجازية بحج أدبي، وكان بذلك يحول التركیز بعیدا عن البصیرة المادية للأماكن المذكورة فى الكتاب المقدس المستخدمة فى المرويات الصلیبیة ومرويات الحج الأخرى.
تصور شیلدغین وهى تمزج البحث التاريخى الرصین بألفكر التجديدى المعاصر – كیف كان تبنى دانتى ألفريد للخطابة الصلیبیة يمنحه دور النبي، فقد كان بحكم انشغاله الذهنى بالبلاد الواقعة وراء الحدود الأوروبیة، إنما دون أن "يمشرقها" أو يصنع منها "تعويذة" – يضع موضع التساؤل مفھوم الخلاص خارج البلاد المسیحیة، ويطلق رسالة شعرية ملتهبة على عالم لاتینى متدهور مزقته الأزمات، عالم لا يرقى إلى مستوى مثله العلیا المعلنة. وفى توقیر دانتى العمیق للمشرق تصبح عجائبه رموزا لعظمة الرب وجمال المملكة الإلهى.