ما أن جاءت سيرة اليسار السياسى، وأفكار الاقتصادية، ينظر بالفضل إلى المفكر الألمانى الراحل كارل ماركس، صاحب كتاب "رأس المال" أحد أعمدة الفكر اليسارى الماركسى طوال العقود الماضية، كما أنه ينظر إليه دائمًا كونه مطور الحركات الاشتراكية، وأحد أعظم الاقتصاديين فى التاريخ.
الاتحاد السوفيتى تبنى أفكار كارل ماركس، - الذى تحل اليوم ذكرى ميلاده الـ 201، إذ ولد فى 14 مارس عام 1818م -، كما أن ثورات واقتصاديات كبرى قامت على أنها تطبق ما قاله ماركس باعتباره مرجعًا يستطيع فكره تخطى العصور، الحركات العمالية الكبرى أيضا، كثير منها يتبى ما كان ينادى به المفكر الراحل، لكن كثير من الانظمة التى تبنت أفكاره سقطت، كالاتحاد السوفيتى على سبيل المثال وكل الدول التى الاشتراكية عانت وبعضها يعانى إلى الآن مثل دول أمريكا اللاتينية، فهل أفكار ماركس لم تكن تناسب تلك المرحلة، أم أن تنفيذ الأكفار الخاطئ كان سببًا فى ذلك.
فبحسب مقال آندرياس آرنت أستاذ للفلسلفة فى جامعة هومبولت فى برلين، ترجمه حسن زنيند، أنه لا يمكن القول إن ما تم تطبيقه من نظريات على أرض الواقع لا علاقة له بما كان يريده فعلاً. ولكن هناك تطبيق خاطئ لما نظّر له ماركس، حيث أُخرجت أفكاره من سياقاتها، أرى أن التقد الأكبر الذى يمكنه توجيه لنظرية ماركس هو أنه لم يترك نظرية للسياسة والدولة، ولكن لا يجب أن يؤاخذ على ذلك، فهو كان يخطط لتحقيق ذلك إلا أن الأجل الموت كان أسرع من مخططاته.
وبحسب ما يذكره كتاب " كارل ماركس.. العظمة والوهم" للمؤرخ البريطانى غاريث ستيدمان جونز، فأنه على النقيض مما يفترض فى أحيان كثيرة، بأن الشيوعية مرتبطة بماركس، فأن المفكر الألمانى لم يخترع الشيوعية، بل إن راديكاليين، مثل بيار جوزيف برودون (1809-1867) والحركة التشارترية فى انكلترا استخدموا منذ زمن طويل لغة يعتبرها قراء اليوم الحاضر لغة "ماركسية": "التمتع بالمساواة السياسية وإلغاء الملكية"، "جيش العمال الاحتياطي"... الخ.
كما أن مؤلف الكتاب، يرى أن ماركس "استهان بالتطورات الجارية فى الاقتصاد السياسي"، وكان ذلك خطأ كبيرًا إزاء التغير المتسارع الذى كان يشهده هذا الحقل وقتذاك، والأشد انتقادًا أن "غروندريسة"، المخطوطة الناقصة التى يعتبرها كثير من الماركسيين الجدد كنزًا فى النظرية، تعانى من "عيوب بمحاجاتها الأساسية".
ووفقًا لما يقوله الكاتب ديتمار دات، فى مقال نشرته فى جريدة فرانكفورتر ألغماينة تحت عنوان "ماذا يقول كارل ماركس؟" ، كان المهم بالنسبة لماركس هو كيف يمكن أن نستفيد من التقدم الذى وصلنا إليه، من أجل تحقيق المزيد من التقدم. لا يجوز أن ننسى أن ماركس قد وضع أفكاره من أجل المجتمع الغني، بالطريقة التى كان عليها هذا المجتمع فى إنكلترة وألمانيا. وهذا لم يكن يسرى على روسيا، ولا على الاتحاد السوفيتى فيما بعد، الذى حاول تطبيق أفكاره عمليا.
الكاتب اليسارى خالد محمود، صرح من قبل بأن المسافة تبدو بين كارل ماركس المثقف الأوروبى الألماني،، عالم الاقتصاد السياسي، وبين الطبعات الفاشية والهمجية والبربرية التى انتهت إليها تطبيقات حملت اسمه وخصوصا فى آسيا، ليست فقط بعيدة بل وكاشفة على سخرية التاريخ"، مشيرا إلى أن ماركس لم يحمل يوما أيدلوجيا، ولا بناء سياسيا متخيلا يبتغى تنزيله، وإنما حمل منهجا وطريقة تفكير كان أخص خصائصها أن تدعو متابعيها أن يبدأوا بنقدها وتوليد التالي، وهو نفسه كان يسخر ممن كانوا يعتبرون أفكاره أيدلوجيا أوعقيدة.