تحل اليوم ذكرى ميلاد الشاعر اليونانى يانيس ريتسوس، إذا ولد فى مثل هذا اليوم من عام 1909م، فى قرية مونيمفاسيا، جنوب شرق مقاطعة البيلوبونيز، اليونان.
تعلم الشاعر اليونانى فى مدرسة القرية، وكتب أول قصيدة له عام 1917، وكحال العديد من الشعراء والأدباء الكثيرين عانى من الفقر الشديد، وخصوًصا بعد رحيل أكبر أشقائه بسبب إصابته بالسل، عن 1921 م، ولحقت به والدته بعد ثلاثة أشهر بنفس المرض، الذى أصاب كل القرية التى يعيش فيها آنذاك، وجن جنون والده وفقد أمواله بسبب القمار بعد أن كان رجلاً ثريًا ينتمي إلى عائلة نبيلة تملك أراض عدة.
انتهى الشاعر اليونانى الراحل من دراسته الثانوية وانتقل بعضها إلى أثينا، وبسبب الفقر وقلة موارده أضطر للعمل فى العديد من المهن، فعمل ككاتب فى نقابة المحاميين، وراقص فى إحدى الفرق الفنية، وكومبارس فى التمثيل، ومصحح لأحد الناشرين.
وبعد مشوار كبير من العمل فى مهن غير مستقرة حصل على وظيفة فى المصرف الوطنى، ولكن الحظ لم يكن معه، إذ أصيب بمرض السل فى عام 1926، ليعود إلى قريته مرة أخرى، يكتب فيها ديوانه "منزلنا القديم".
ولكن تدهور المرض لديه جعله يدخل فى مصحة ويمكث بها 3 أعوام، ولكن استغل ذلك بأنه لم يتوقف عن الكتابة، وخرج من المصحة ولكن سرعان ما عاد لها مرة أخرى، ليخرج بعد إتمام شفائه، ليعمل فى التمثيل بأثينا، وقال ريتسوس عن تلك المرحلة من حياته : لم يكن لدى ناشر أول الأمر، فكان على أن أمول مؤلفاتى بنفسى، وكنت ما أن أستعيد جزءاً من التكاليف، بعد بيع كتاب، حتى أدفع الثانى إلى المطبعة، ولم يتسن لى الحصول على شروط عمل ملائمة إلا عند بلوغى التاسعة والأربعين من عمرى، أما قبل ذلك فقد عملت مجرد مراجع فى إحدى دور النشر، ولكن ذلك أفادنى كثيراً، فقد قرأت وأعدت قراءة دوستوفيسكى وغيره من الأعلام، وفى وقت سابق عملت فى المسرح، وكانت مهنة شاقة، وفوق ذلك كان على أن أهتم بأسرتى، كنت أحتاج إلى نوم عميق، لكننى فى تلك الفترة لم أستطع ذلك حتى نشرت "سوناتا فى ضوء القمر" ونلت الجائزة الوطنية للشعر، فتحسنت أحوالى، وفى بداية عام 1956 وقعت عقداً مع دار "كيذروس" التى رغم ظروف عديدة لم أتخل عنها قط، إن الإخلاص خصلة مهمة فى نظرى.
أصدر الشاعر اليونانى الراحل أول ديوان له فى عام 1934م، تحت عنوان "تراكتورات"، وفى السنة التالية أصدر ديوانه الثانى بعنوان "أهرامات"، وكان قد كتب معظم القصائد هذين الديوانين خلال القترة التى قضاها فى المصحة.
الأحداث الدامية التى تعرضت له بلاده ألهمته لكتابة قصائده، فقصيدته الشهيرة "أبيتافيوس" عرفت النور إثر مقتل 30 عامل تبغ وجرح ما يقارب 300 منهم إثر تظاهرة فى 1934 فتحت فيها الشرطة اليونانية النارعليهم، وتخلد قصيدة "أبيتافيوس" ذكرى تلك الأحداث الدامية فهى قصيدة جنائزية تتكون من 20 نشيداً أو ترنيمة مشدودة إلى الذاكرة الجمعية بوشائجها الشعورية بالغناء العامى والأسطورة الوثنية والطقس الأرثوذكسى، وصادر النظام العسكرى الذى كان يحكم اليونان القصيدة وأحالها إلى محرقة الكتب أمام أعمدة معبد زيوس ويقوم ميكيس ثيودوراكيس فى سنة 1961 بتلحين هذه القصيدة .
أعجب كوستيز بالاماس الذى يعتبر أشهر الأدباء اليونانيين فى ذلك الوقت، بشعر ريتسوس، ويقول فيه "إننا ننحنى أيها الشاعر حتى تمر"، وفى عام 1937 أصدر ريتسوس كتابه "نشيد أختى"، كما أصدر فى 1938 كتابه "سمفونية الربيع" وبعده بعامين أصدر "مسيرة المحيط".
تدهورت حالته الصحية خلال سنوات الحرب العالمية الثانية لدرجة أن أحد الصحفيين كتب عن حالته المتدهورة من المرض والفقر، حتى ينبه المثقفين بحالته ويتم جمع التبرعات له، ولكن رفضت ريتسوس، وطالب بتوزيعها على جميع الكتاب والشعراء المحتاجين ورغم حالته لم يتوقف عن الكتابة .
استقر ريتسوس فى 1945 ببلدة كوزاني التي أسس فيها مسرحًا شعبيًا وكتب مسرحيته "أثينا تحت السلاح" وقصيدة طويلة بعنوان "حاشية الانتصار"، وبعدها عاد إلى أثينا ويكتب مجموعتين: "يونانية" و"سيدة الكروم"، ليتم اعتقاله من منزلـه فى 1948 وسط حملات قامت بها الشرطة ويتم اقتياده إلى مخيم للأسرى فى جزيرة ليمنوس، وينقل إلى سجن "ماكرونيسوس" فى 1949 ويعذب فيه تعذيبا شديدا خلال سجنه.
وخلال وجوده فى السجن كتب مجموعته "زمن الحجر"، وطمرها فى التراب، تم العثور على أوراق المجموعة بعد سنوات وتم طباعتها، وبعد ذلك تم تشكيل لجنة أوروبية تضم شعراء ومثقفين مطالبين بحريته وذلك بمبادرة من الشاعر الفرنسى لويس أراغون الذى وصفه بأنه "ارتجافة جديدة فى الشعر الحديث" ويتم إخلاء سبيله فى سنة 1952 ويكتب "الرجل ذو القرنفل"، وبعد رحلة نضال كبيرة خلال عام 1967م يتم على أثرها اعتقاله تسفر عن تحديد إقامته، لتسوء حالته النفسية والجسدية، ليرحل عن عالمنا فى 11 نوفمبر 1990.