تمر اليوم ذكرى وفاة حاكم مصر ومؤسس الدولة الطولونية أحمد ابن طولون، وقد كانت هذه الدولة أشبه بالحلم الجميل الذى لم يدم طويلا، فقد بنى أحمد ابن طولون دولته بالقوة والحيلة والدهاء والسياسة، لكنه للأسف لم يعلم أبنائه من بعده كيف يحافظون على ما تركه من ملك كبير ودولة عظيمة، فتداعت الدولة بعد وفاته وبقيت بالقصور الذاتى حتى اندثرت، وقد كانت بداية النهاية على يد ابنه "خماروية" الذى أدى عشقه للمظاهر والتفاخر إلى ضعف دولته ما كان تمهيدا لانهيارها.
هنا يجب أن نشير إلى أن فكرة استقلال احمد ابن طولون بحكم مصر والشام لم تكن لتمر مرورالكرام على الخلافة العباسية، فبرغم اعتراف ابن طولون، وبرغم تسديد الدولة الطولونية لما عليها من التزامات تجاه بيت الحكم فى بغداد، لكنه استقلال أقليم كبير عن الخلافة ماليا وإداريا كان يعد لطمة كبيرة على وجه الخلافة، وإذا أضفنا فكرة شعبية أحمد ابن طولون بين المصريين مع قوته وثرائه ستكتمل صورة الخطورة الكامنة فى غرب الخلافة، ولهذا كان لابد لهذا الحلم ان ينتهي، فما أن مات ابن طولون حتى أغار الموفَّق بالله ولى العهد العباسى على الشام للقضاء على الدولة الطولونية وبالفعل استولى عليها ووصل حتى الحدود المصرية لكن خمارويه تصدى له واستطاع استعادة ما استولى عليه الخليفة، فانتزع من الخلافة العباسية اعترافًا له بحكم مصر هو وأولاده لمدة ثلاثين سنة.
فى الظاهر تبدو هذه الفكرة غاية فى الذكاء، لكنها فى الحقيقية كانت بداية الانهيار، فقد أراد خماروية ابن أحمد ابن طولون أن يوثق علاقته بالخليفة العباسي، عن طريق المصاهرة، لكنه فى الحقيقة كسر ظهره بنفسه، فلما عرض على الخليفة المعتضد زواج قطر الندى ابنته من ابن الخليفة العباسي، أراد الخليفة الذى كان قد سمع بجمال قطر الندى أن يتزوجها هو، وكان فى هذا التغيير فى الخطة أكبر تشريف لخمارويه، ومن هنا بدأت الطامة الكبرى، فقد حرص خمارويه على أن يجهز ابنته بأعظم جهاز فى تاريخ الدول بالإضافة إلى هذا بنى خمارويه للعروس قصر فى كل محطة من محطات سفرها من مصر إلى بغداد، وأثقل القافلة التى كانت تسير بها بالجواهر والذهب والتحف ما استفاضت الكتب فى شرحه، حتى قيل أنه جهزها بألف هون من الذهب، فما بالك ببقية الجهاز!
وقد أورد المؤرخون أن هذا الجهاز كلف الدولة المصرية أكثر من مليون دينار أفلست بعدها الخزينة المصرية وبدد خمارويه بهذا ما تركه أبوه من ثروة تكفى مصر الحاجة وقت الشدة، فبدلا أن يستثمر هذه الأموال فى تطوير الدولة وصيانة أرضها كما فعل أبوه، تعمد الإسراف فى كل شيء حتى أن المؤرخين عجزوا عن وصف ما كان بقصوره من مظاهر الترف، والأكثر من هذا تمادى خمارويه فى تصرفاته الشاذة وأوامره المنافية للأداب من خدمه حتى كرهه خدمه وكرهته جواريه، وكان مصرعه على يدهم فى أحد قصوره بالشام سنة 282 بعد 12 عاما قضاها فى الحكم، ثم تعاقب على حكم مصر من بيت طولون ثلاثة هم وقد حكم مصر بعد وفاة خمارويه ثلاثة من البيت الطولونى لم يزد حكمهم جميعًا على عشر سنوات وهم أبو العساكر جيش الذى حكم سنتين وانتهى حكم بخلعه وسجنه ثم أخيه الأصغر أبى موسى هارون ثم شيبان بن أحمد ابن طولون الذى انتهت على يده الدوله الطولونية بحريق عاصمتها الذى لم يخرج منه شيئا على حاله سوى المسجد.