نواصل اليوم الثانى عشر من شهر رمضان المبارك سلسلة آية و5 تفسيرات، ونتوقف مع الجزء الثانى عشر من القرآن الكريم وقول الله تعالى "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيب".
تفسير ابن كثير
يخبر تعالى عن إبراهيم عليه السلام أنه لما ذهب عنه الروع، وهو ما أوجس من الملائكة خيفة حين لم يأكلوا وبشروه بعد ذلك بالولد وأخبروه بهلاك قوم لوط، أخذ يقول: أتهلكون قرية فيها ثلثمائة مؤمن؟ قالوا: لا، قال: أفتهلكون قرية فيها مائتا مؤمن؟ قالوا: لا، حتى بلغ خمسة، قالوا: لا، قال: أرأيتكم أن كان فيها رجل واحد مسلم أتهلكونها؟ قالوا: لا، فقال إبراهيم عليه السلام عند ذلك، { إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته} الآية، فسكت عنهم واطمأنت نفسه قاله سعيد بن جبير رضي اللّه عنه ، وقوله: { إن إبراهيم لحليم أواه منيب} مدحٌ لإبراهيم بهذه الصفات الجميلة، وقد تقدم تفسيرها. وقوله تعالى: { يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك} الآية، أي أنه قد نفذ فيهم القضاء وحقت عليهم الكلمة بالهلاك وحلول البأس الذي لا يرد عن القوم المجرمين.
تفسير الجلالين
{ إن إبراهيم لحليم } كثير الأناة { أوَّاهٌ مُنيب } رجّاع، فقال لهم أتهلكون قرية فيها ثلاثمائة مؤمن ؟ قالوا لا، أفتهلكون قرية فيها مائتا مؤمن ؟ قالوا لا، قال أفتهلكون قرية فيها أربعون مؤمنا ؟ قالوا لا، قال أفتهلكون قرية فيها أربعة عشر مؤمنا ؟ قالوا لا، قال أفرأيتم إن كان فيها مؤمن واحد قالوا لا، إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها إلخ .
تفسير الطبري
وقَوْله: { إِنَّ إِبْرَاهِيم لَحَلِيم أَوَّاه مُنِيب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره: إِنَّ إِبْرَاهِيم لَبَطِيء الْغَضَب مُتَذَلِّل لِرَبِّهِ خَاشِع لَهُ , مُنْقَاد لِأَمْرِهِ , مُنِيب رَجَّاع إِلَى طَاعَته . كَمَا: 14165 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ: ثَنَا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ: ثَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي يَحْيَى , عَنْ مُجَاهِد: { أَوَّاه مُنِيب } قَالَ: الْقَانِت: الرَّجَّاع وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْأَوَّاه فِيمَا مَضَى بِاخْتِلَافِ الْمُخْتَلِفِينَ وَالشَّوَاهِد عَلَى الصَّحِيح مِنْهُ عِنْدنَا مِنْ الْقَوْل بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته . وَقَوْله: { إِنَّ إِبْرَاهِيم لَحَلِيم أَوَّاه مُنِيب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره: إِنَّ إِبْرَاهِيم لَبَطِيء الْغَضَب مُتَذَلِّل لِرَبِّهِ خَاشِع لَهُ , مُنْقَاد لِأَمْرِهِ , مُنِيب رَجَّاع إِلَى طَاعَته . كَمَا: 14165 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ: ثَنَا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ: ثَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي يَحْيَى , عَنْ مُجَاهِد: { أَوَّاه مُنِيب } قَالَ: الْقَانِت: الرَّجَّاع وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْأَوَّاه فِيمَا مَضَى بِاخْتِلَافِ الْمُخْتَلِفِينَ وَالشَّوَاهِد عَلَى الصَّحِيح مِنْهُ عِنْدنَا مِنْ الْقَوْل بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته .'
تفسير القرطبي
قوله تعالى { فلما ذهب عن إبراهيم الروع} أي الخوف؛ يقال: ارتاع من كذا إذا خاف؛ قال النابغة: فارتاع من صوت كلاب فبات له ** طوع الشوامت من خوف ومن صرد { وجاءته البشرى} أي بإسحاق ويعقوب. وقال قتادة: بشروه بأنهم إنما أتوا بالعذاب إلى قوم لوط، وأنه لا يخاف. { يجادلنا} أي يجادل رسلنا، وأضافه إلى نفسه، لأنهم نزلوا بأمره. وهذه المجادلة رواها حميد بن هلال عن جندب عن حذيفة؛ وذلك أنهم لما قالوا { إنا مهلكو أهل هذه القرية} [العنكبوت: 31] قال لهم: أرأيتم إن كان فيها خمسون من المسلمين أتهلكونهم؟ قالوا: لا. قال: فأربعون؟ قالوا: لا. قال: فثلاثون؟ قالوا: لا. قال: فعشرون؟ قالوا: لا. قال: فإن كان فيها عشرة - أو خمسة شك حميد - قالوا: لا. قال قتادة: نحوا منه؛ قال فقال يعني إبراهيم: قوم ليس فيهم عشرة من المسلمين لا خير فيهم. وقيل إن إبراهيم قال: أرأيتم إن كان فيها رجل مسلم أتهلكونها؟ قالوا: لا. فقال إبراهيم عند ذلك { إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين} [العنكبوت: 32]. وقال عبدالرحمن ابن سمرة: كانوا أربعمائة ألف. ابن جريج. وكان في قرى قوم لوط أربعة آلاف ألف. ومذهب الأخفش والكسائي أن { يجادلنا} في موضع { جادلنا} . قال النحاس: لما كان جواب { لما} يجب أن يكون بالماضي جعل المستقبل مكانه؛ كما أن الشرط يجب أن يكون بالمستقبل فجعل الماضي مكانه. وفيه جواب آخر: أن يكون { يجادلنا} في موضع الحال؛ أي أقبل يجادلنا؛ وهذا قول الفراء. { إن إبراهيم لحليم أواه منيب} تقدم في { براءة} معنى { لأواه حليم} [التوبة: 114] والمنيب الراجع؛ يقال: إذا رجع. وإبراهيم صلى الله عليه وسلم كان راجعا إلى الله تعالى في أمور كلها. وقيل: الأواه المتأوه أسفا على ما قد فات قوم لوط من الإيمان. قوله تعالى { يا إبراهيم أعرض عن هذا} أي دع عنك الجدال في قوم لوط. { إنه قد جاء أمر ربك} أي عذابه لهم. { إنهم آتيهم} أي نازل بهم. { عذاب غير مردود} أي غير مصروف عنهم ولا مدفوع.
تفسير السعدي
{ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ } أي: ذو خلق حسن وسعة صدر، وعدم غضب، عند جهل الجاهلين.
{ أَوَّاهٌ } أي: متضرع إلى الله في جميع الأوقات، { مُنِيبٌ } أي: رجَّاع إلى الله بمعرفته ومحبته، والإقبال عليه, والإعراض عمن سواه، فلذلك كان يجادل عمن حتَّم الله بهلاكهم.