نواصل اليوم الأربعاء، السابع عشر من شهر رمضان المعظم، سلسلة آية و5 تفسيرات، ونتوقف عند سورة الأنبياء، وقول الله تعالى فى الآية رقم 8 "وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ".
تفسير الطبرى
يقول تعالى ذكره: وما جعلنا الرسل الذين أرسلناهم من قبلك يا محمد إلى الأمم الماضية قبل أمتك، (جَسَدًا لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ) يقول: لم نجعلهم ملائكة لا يأكلون الطعام، ولكن جعلناهم أجسادا مثلك يأكلون الطعام.
كما حدثنا بشر، عن قتادة، قوله (وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ) يقول: ما جعلناهم جسدا إلا ليأكلوا الطعام.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول فى قوله (وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ) يقول: لم أجعلهم جسدا ليس فيهم أرواح لا يأكلون الطعام، ولكن جعلناهم جسدا فيها أرواح يأكلون الطعام.
قال أبو جعفر: وقال: (وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا) فوحَّد الجسد وجعله موحدا، وهو من صفة الجماعة، وإنما جاز ذلك لأن الجسد بمعنى المصدر، كما يقال فى الكلام: وما جعلناهم خَلْقا لا يأكلون.
وقوله (وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ) يقول: ولا كانوا أربابا لا يموتون ولا يفنون، ولكنهم كانوا بشرا أجسادا فماتوا، وذلك أنهم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قد أخبر الله عنهم لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا... إلى قوله أَوْ تَأْتِى بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلا قال الله تبارك وتعالى لهم: ما فعلنا ذلك بأحد قبلكم فنفعل بكم، وإنما كنا نرسل إليهم رجالا نوحى إليهم كما أرسلنا إليكم رسولا نوحى إليه أمرنا ونهينا.
تفسير القرطبى
قوله تعالى: وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام الضمير فى جعلناهم للأنبياء، أى لم نجعل الرسل قبلك خارجين عن طباع البشر لا يحتاجون إلى طعام وشرابوما كانوا خالدين يريد لا يموتون وهذا جواب لقولهم: ما هذا إلا بشر مثلكم وقولهم: مال هذا الرسول يأكل الطعام، و جسدا اسم جنس، ولهذا لم يقل أجسادا، وقيل: لم يقل أجسادا، لأنه أراد وما جعلنا كل واحد منهم جسدا، والجسد البدن، تقول منه: تجسد كما تقول من الجسم تجسم. والجسد أيضا الزعفران أو نحوه من الصبغ
تفسير ابن كثير
وقوله: (وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام) أى: بل قد كانوا أجسادا يأكلون الطعام، كما قال تعالى: (وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون فى الأسواق) [الفرقان: 20] أى: قد كانوا بشرا من البشر، يأكلون ويشربون مثل الناس، ويدخلون الأسواق للتكسب والتجارة، وليس ذلك بضار لهم ولا ناقص منهم شيئا، كما توهمه المشركون فى قولهم: (مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا) [الفرقان: 7، 8].
وقوله: (وما كانوا خالدين) أى: فى الدنيا، بل كانوا يعيشون ثم يموتون، (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد) [الأنبياء: 34]، وخاصتهم أنهم يوحى إليهم من الله عز وجل، تنزل عليهم الملائكة عن الله بما يحكم فى خلقه مما يأمر به وينهى عنه.
تفسير البغوى
(وما جعلناهم) أى: الرسل، (جسدا) ولم يقل أجسادا لأنه اسم الجنس، (لا يأكلون الطعام) هذا رد لقولهم (مال هذا الرسول يأكل الطعام) (الفرقان: 7 )، يقول لم نجعل الرسل ملائكة بل جعلناهم بشرا يأكلون الطعام، (وما كانوا خالدين) فى الدنيا.
تفسير السعدى
هذا جواب لشبه المكذبين للرسول القائلين: هلا كان ملكا، لا يحتاج إلى طعام وشراب، وتصرف فى الأسواق، وهلا كان خالدا؟ فإذا لم يكن كذلك، دل على أنه ليس برسول.
وهذه الشبه ما زالت فى قلوب المكذبين للرسل، تشابهوا فى الكفر، فتشابهت أقوالهم، فأجاب تعالى عن هذه الشبه لهؤلاء المكذبين للرسول، المقرين بإثبات الرسل قبله - ولو لم يكن إلا إبراهيم عليه السلام، الذى قد أقر بنبوته جميع الطوائف، والمشركون يزعمون أنهم على دينه وملته - بأن الرسل قبل محمد صلى الله عليه وسلم، كلهم من البشر، الذين يأكلون الطعام، ويمشون فى الأسواق، وتطرأ عليهم العوارض البشرية، من الموت وغيره، وأن الله أرسلهم إلى قومهم وأممهم، فصدقهم من صدقهم، وكذبهم من كذبهم، وأن الله صدقهم ما وعدهم به من النجاة، والسعادة لهم ولأتباعهم، وأهلك المسرفين المكذبين لهم.