نواصل فى اليوم الثامن عشر من شهر رمضان المعظم سلسلة آية و5 تفسيرات، ونتوقف عند بداية سورة المؤمنين وقول الله تعالى "قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ".
تفسير الطبرى
قال أبو جعفر: يعنى جلّ ثناؤه بقوله: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) قد أدرك الذين صدّقوا الله ورسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم، وأقرّوا بما جاءهم به من عند الله، وعملوا بما دعاهم إليه مما سمى فى هذه الآيات، الخلود فى جنَّات ربهم وفازوا بطلبتهم لديه.
كما حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزاق، عن معمر، عن قتادة، فى قوله: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) ثم قال: قال كعب: لم يخلق الله بيده إلا ثلاثة: خلق آدم بيده، وكتب التوراة بيده، وغرس جنة عدن بيده، ثم قال لها: تكلمي! فقالت: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) لما علمت فيها من الكرامة.
تفسير القرطبى
قوله تعالى: قد أفلح المؤمنون روى البيهقى من حديث أنس عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: لما خلق الله جنة عدن وغرس أشجارها بيده قال لها تكلمى فقالت: قد أفلح المؤمنون. وروى النسائى، عن عبد الله بن السائب قال: حضرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح فصلى فى قبل الكعبة، فخلع نعليه، فوضعهما عن يساره، فافتتح سورة المؤمنين، فلما جاء ذكر موسى أو عيسى عليهما السلام أخذته سعلة فركع. خرجه مسلم بمعناه. وفى الترمذى، عن عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - قال: كان النبى - صلى الله عليه وسلم - إذا أنزل عليه الوحى سمع عند وجهه كدوى النحل ؛ وأنزل عليه يوما فمكثنا ساعة فسرى عنه فاستقبل القبلة فرفع يديه وقال: اللهم زدنا ولا تنقصنا وأرضنا وارض عنا - ثم قال: أنزل على عشر آيات من أقامهن دخل الجنة - ثم قرأ - قد أفلح المؤمنون حتى ختم عشر آيات، صححه ابن العربى. وقال النحاس: معنى من أقامهن من أقام عليهن ولم يخالف ما فيهن ؛ كما تقول: فلان يقوم بعمله. ثم نزل بعد هذه الآيات فرض الوضوء والحج فدخل معهن. وقرأ طلحة بن مصرف قد أفلح المؤمنون بضم الألف على الفعل المجهول ؛ أى أبقوا فى الثواب والخير. وقد مضى فى أول (البقرة) معنى الفلاح لغة ومعنى، والحمد لله وحده.
تفسير ابن كثير
قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنى يونس بن سليم قال: أملى على يونس بن يزيد الأيلى، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عبد القارى قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: كان إذا نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحى، يسمع عند وجهه كدوى النحل فمكثنا ساعة، فاستقبل القبلة ورفع يديه، فقال: " اللهم، زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر [ علينا، وارض عنا ] وأرضنا "، ثم قال: " لقد أنزلت على عشر آيات، من أقامهن دخل الجنة "، ثم قرأ: (قد أفلح المؤمنون) حتى ختم العشر.
وكذا روى الترمذى فى تفسيره، والنسائى فى الصلاة، من حديث عبد الرزاق، به.
وقال الترمذى: منكر، لا نعرف أحدا رواه غير يونس بن سليم، ويونس لا نعرفه.
تفسير البغوى
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحى، أخبرنا أحمد بن الحسين الحيرى، أخبرنا حاجب بن أحمد الطوسى، أخبرنا محمد بن حماد، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا يونس بن سليمان، أملى على يونس صاحب أيلة، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عبد القارئ قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: كان إذا نزل على النبى صلى الله عليه وسلم الوحى يسمع عند وجهه دوى كدوى النحل، فمكثنا ساعة - وفى رواية: فنزل علينا يوما فمكثنا ساعة - فاستقبل القبلة ورفع يديه وقال: " اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وارض عنا، ثم قال: لقد أنزل على عشر آيات من أقامهن دخل الجنة "، ثم قرأ (قد أفلح المؤمنون) إلى عشر آيات.
ورواه أحمد بن حنبل، وعلى بن المدينى، وجماعة عن عبد الرزاق، وقالوا: " وأعطنا ولا تحرمنا وأرضنا وارض عنا ".
قوله تعالى: (قد أفلح المؤمنون) " قد " حرف تأكيد، وقال المحققون: " قد " تقرب الماضى من الحال، يدل على أن الفلاح قد حصل لهم، وأنهم عليه فى الحال، وهو أبلغ من تجريد ذكر الفعل، " والفلاح " النجاة والبقاء، قال ابن عباس: قد سعد المصدقون بالتوحيد وبقوا فى الجنة.
تفسير السعدى
هذا تنويه من الله، بذكر عباده المؤمنين، وذكر فلاحهم وسعادتهم، وبأي: شيء وصلوا إلى ذلك، وفى ضمن ذلك، الحث على الاتصاف بصفاتهم، والترغيب فيها. فليزن العبد نفسه وغيره على هذه الآيات، يعرف بذلك ما معه وما مع غيره من الإيمان، زيادة ونقصا، كثرة وقلة، فقوله { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ } أي: قد فازوا وسعدوا ونجحوا، وأدركوا كل ما يرام المؤمنون الذين آمنوا بالله وصدقوا المرسلين.