كان آخر شعراء الصعاليك، عشق الحرية، نادى من أجلها واعتقل بسببها، عرف بالفاجومى، وعاش حياة البسطاء حد الفوضى والتشرد فيظل مجذوبا، لكنه أبداً ثبت على موقفه المعارضة طوال حياته.
هكذا كان الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم، والذى تحل اليوم ذكرى ميلاده الـ 90، إذ ولد فى 23 مايو 1929، ورحل عن عالمنا فى 3 ديسمبر عام 2013، عن عمر 84 عاما، تاركاً خلفه إرثًا شعريًا جعله أحد أهم شعراء العامية فى مصر وأحد ثوار الكلمة واسم بارز فى الفن والشعر العربى.
لم يكن لقب شاعر الصعاليك مجرد لقب فعاش "أبو النجوم" حيات الصعاليك منذ البداية، فبحسب كتاب "شخصيات لها العجب: ذكريات.. تراجم.. دراسات.. ووثائق" للكاتب الصحفى الكبير صلاح عيسى، فؤاد نجم دخل الملجأ يتيما وفقيرا وخرج منه مندفعا إلى الحياة فعاش حياة الصعاليك الذين كانوا يزحمون أرض الوطن، يلتقط رزقه من بين أنياب الوحوش فى بلد محتل ومستذل.
عمل أجيرا فى أحد التفاتيش الزراعية المملوكة لصاحب الجلالة، ولكن الحظ السيئ يترصده، فيفصل من وظيفته، ليعيش عاطلا فترة، ثم يلتحق بمنزل خاله فيعمل خادما، إلى أن يجد عملا فى معسكرات جيش الاحتلال، ويتركه فى نهاية عام 1951، ومع آلاف العمال المصريين الذين استجابوا لنداء حكومة الوفد فى تلك السنة، تركوا أعمالهم فى المعسكرات لإجبار المحتلين على الرحيل بعد أن ألغت الحكومة معاهدة 1936.
وتفى الحكومة بوعدها، فتعوضه عن وظيفته التى تركها بوظيفة حكومية فى أحد فروع السكك الحديدية، وبعد سنوات يفكر فى أن يتزوج فلا يجد مالا ولا سكنا، وببساطة يشترك مع أحد السعاة فى تزوير بعض المستندات ويتقاسمان مقابلها النقدى، إلى أن يأتى اليوم الذى يجد فيه نفسه فى السجن يقضى عقوبة ثلاث سنوات مدانا بتهمة التزوير واختلاس الأموال الأميرية.
الغريب أن بعد سجنه يكتشف ضباط السجن أن المزور المرتشى، يكتب شعرا جميلا، فيدهشون، وتسعدهم قصائد النفاق التى كتبها فى مزايا سعادة الباشا المأمور وحضرة صاحب العزة "صابط العنبر" فيتباهون به، ويقدمونه فى حفلات المصلحة وينشر المجلس المجلس الأعلى للآداب والفنون (الأعلى للثقافة حاليا) ديوانه الأول "من الحياة والسجن" ويفرج عنه عام 1962 ليجد الطريق الطريق ميسرا لوظيفة من وظائف المجلس، تكفل أن يكون كما كان شاعر البؤس "عبد الحميد الديب" مشردا رسميا، يتقاضى مرتبا دون أن يؤدى عملا.