بقدر ما أثار نبأ فوز المبدعة العمانية جوخة الحارثى بجائزة "مان بوكر" الدولية بالتقاسم مع الأمريكية مارلين بوث مترجمة روايتها "سيدات القمر" من العربية للإنجليزية حالة من السعادة على مستوى العالم العربى، فإن هذا التتويج لأول روائية عربية بهذه الجائزة يفتح ملفات ثقافية متعددة من بينها علاقة المؤلف والمترجم.
والرواية التى ترجمت من العربية للإنجليزية بعنوان "الأجرام السماوية" حافلة بلمحات عن المجتمع وتحولاته والحياة العائلية والبيئة الشعبية العمانية وطقوسها وموروثها الثقافى مع حضور واضح للمرأة عبر أجيال متعددة فيما بدت الكاتبة والأكاديمية جوخة الحارثى مدركة بوضوح لأهمية ترجمة روايتها "سيدات القمر" من العربية للانجليزية.
وواقع الحال فإن "العلاقة بين المؤلف والمترجم" تثير دوما تأملات ثقافية متعددة فضلا عن نقاشات وطروحات فى ثقافات متعددة فيما اكتسبت "هذه العلاقة الفريدة والحوار الإبداعى الصامت والتفاعل العابر للثقافات" المزيد من الاهتمام مع جائزة مان بوكر الدولية التى تمنح لإبداعات فى الرواية والقصة تترجم من لغاتها الأصلية حول العالم للغة الإنجليزية.
وفى مقابلات صحفية أوضحت جوخة الحارثى تفاصيل ترجمة روايتها "سيدات القمر" وقالت إن هذه الرواية التى صدرت بالعربية عام 2010 حظيت بتمويل من "الجمعية الانجلو عمانية فى لندن" مضيفة أنه "من حسن الطالع اختيار المترجمة القديرة مارلين بوث أستاذة الأدب العربى فى جامعة أكسفورد" لترجمة روايتها التى توجت فى نهاية المطاف بجائزة "مان بوكر" الدولية.
وعن علاقة المؤلف والمترجم للعمل الأدبى الابداعى تتحدث جوخة الحارثى موضحة أنها "على مدار اشهر طويلة تبادلت مع المترجمة النقاش حول الفصول فصلا فصلا وأرسلت لها عديد الصور لبعض الأشياء ومفردات الطبيعة العمانية التى استخدمتها فى الرواية حتى تساعد المترجمة فى عملية التصور" لهذه الأشياء والمفردات التى تشكل جزءا من خصوصية البيئة العمانية.
وكانت المجموعة القصصية للفلسطينى مازن معروف المقيم فى ايسلندا: "نكات للمسلحين" قد وصلت هذا العام إلى القائمة الطويلة لجائزة المان بوكر الدولية مع رواية "سيدات القمر" لجوخة الحارثى وهو انجاز يتحقق لأول مرة للأدب العربى أثار شعورا بالتفاؤل حيال ابداعات الجيل الشاب على وجه الخصوص بقدر ما لفت لأهمية ترجمة الإبداعات العربية للغات أخرى حتى يتسنى للقراء حول العالم قراءة هذه الإبداعات الأدبية.
وإذا كانت مارلين بوث هى التى تولت عملية ترجمة "سيدات القمر" للعمانية جوخة الحارثى الى الإنجليزى فالمترجم البريطانى جوناثان رايت هو الذى قام بترجمة مجموعة القصص القصيرة "نكات للمسلحين" للفلسطينى مازن معروف من العربية الى الإنجليزية وهو بدوره من الأسماء الكبيرة فى ترجمة الأدب العربى للإنجليزية و"صاحب قدرات رفيعة المستوى فى إدراك الخصائص اللغوية الأسلوبية والسياقات الثقافية والتعبير الدقيق عن روح النص فى عملية الترجمة" وقد فاز فى مطلع عام 2017 بجائزة "سيف غباش- بانيبال لترجمة الأدب العربى" عن ترجمته لرواية ساق البامبو للكاتب الكويتى سعود السنعوسى.
وجوناثان رايت درس التاريخ العربى بكلية سانت جون فى جامعة أكسفورد التى تعمل بها مارين بوث البالغة من العمر 64 عاما كأستاذة لدراسات العالم العربى المعاصر وهى التى تخرجت فى جامعة هارفارد وباتت صاحبة اسم مهم فى ترجمة الأدب العربى للإنجليزية، ومن نافلة القول إنها اكتسبت المزيد من الشهرة بعد تتويج رواية "سيدات القمر" التى تولت ترجمتها للانجليزية بجائزة "انترناشيونال مان بوكر" البريطانية فيما ستتقاسم مع جوخة الحارثى القيمة المادية للجائزة التى تبلغ 60 ألف دولار أمريكى.
وبعد وصول روايتها للقائمة القصيرة لجائزة مان بوكر الدولية قالت جوخة الحارثى التى صدرت أول رواية لها بعنوان "منامات" فى عام 2004، إن ذلك يعنى "أن نتقاسم مسرات وأوجاع الكتابة مع العالم بأسره وأن تدعو هذا العالم الى لغتك وثقافتك عبر لغة الترجمة" فيما اعتبر نقاد أن روايتها "سيدات القمر" تقدم للقارئ فى الغرب بعد ترجمتها للإنجليزية "نماذج إنسانية عربية جديرة بالتأمل وتكسر الأفكار النمطية والمسبقة التى تحيط بالمرأة الخليجية والعربية عموما".
وكما قالت جوخة الحارثى فإن هذا الإنجاز يفتح نوافذ واسعة للإطلالة على الأدب العربى عامة والعمانى خاصة وفيما تعد هذه المبدعة العمانية أول عربى يحصل على جائزة المان بوكر الدولية فإنها توجت عن روايتها "نارنجة" بجائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب لعام 2016 كما حصلت عن كتابها "عش للعصافير" على جائزة أفضل كتاب فى فرع أدب الأطفال فى مسابقة أفضل إصدار عمانى فى مجالى الأدب والثقافة عام 2010.
ويبدو أن لجوخة الحارثى البالغة من العمر 41 عاما، وهى صاحبة مجموعتين من القصص القصيرة طالعها الحسن مع الترجمة من العربية للغات أخرى، فقد ترجمت كتابات وإبداعات لها إلى الإنجليزية والألمانية والإيطالية والصربية والكورية فيما صدرت روايتها سيدات القمر بعد ترجمتها للإنجليزية بعنوان "الأجرام السماوية" فى العام الماضى عن مؤسسة "ساندستون بريس" ليكتب لها الفوز بجائزة مان بوكر الدولية متفوقة على خمسة منافسين وصلوا برواياتهم للقائمة القصيرة من فرنسا وألمانيا وبولندا وكولومبيا وتشيلى.
ويبدو أيضا أن لهذه المبدعة العمانية رؤية متكاملة حول ترجمة الأعمال الأدبية فهى تقول: "فى النهاية الكتاب المترجم كتاب جديد وعلينا أن نقبل بذلك وإلا تعذبنا بلا طائل فى محاولة حصار الصورة الشعرية هنا أو المثل الشعبى هناك بترجمة حرفية" فيما حرصت المترجمة الأمريكية مارلين بوث على تصدير رواية سيدات القمر بعد ترجمتها للإنجليزية بمقدمة تضىء النص للقارئ وتعرض الملامح الأساسية للرواية التى تتناول فى بنيتها ذات الخيوط المتشابكة ثلاثة أجيال فى عائلة عمانية فى خضم عملية التغير الاجتماعى والتحولات المجتمعية.
ولا ريب أن ترجمة الأعمال الأدبية العربية تشكل الطريق لتحقيق رؤية الكاتبة العمانية جوخة الحارثى التى تقول إن "الجوهر الإنسانى يتخطى الحدود" وتؤكد أهمية"التفاعل مع تجارب قارئ مختلف من شتى أصقاع الأرض" منوهة بأن انتشار الأدب العربى فى العالم من شأنه أن يغير "النظرة الثابتة للبلدان العربية كمناطق حروب ونزاعات" فيما أعربت عن تفاؤلها حيال إمكانية أن يتبوأ "الأدب العربى مكانته اللائقة فى مصاف الأدب العالمى".
ولم تغفل الصحافة الثقافية الغربية فى سياق تناولها لرواية جوخة الحارثى بعد تتويجها بجائزة مان بوكر الدولية عن التأكيد على أهمية ترجمة الأعمال الأدبية التى "توسع آفاق العالم" وهاهى مارتا باوسيلس فى جريدة الجارديان البريطانية تلفت لإبداعات روائية وقصصية قادمة من منطقتنا العربية والجوار عرفها الغرب فى السنوات الأخيرة بفضل الترجمة مثل "فرانكشتاين فى بغداد" للكاتب العراقى أحمد سعداوى التى ترجمها للإنجليزية جوناثان رايت و"لا اتجاه" للإيرانية نيجار جافادى.
وهناك اتفاق عام على أن الترجمة الأدبية تختلف عن غيرها من ألوان الترجمة مع سعى ثقافى واضح فى مصر والعالم العربى ككل للتعرف على النظريات الحديثة فى الترجمة الأدبية ما بين الشعر والمسرح والرواية وتأصيل نظريات مصرية وعربية على وجه العموم فى هذا الحقل الثقافى الهام.
وإذا كانت جائزة مان بوكر الدولية التى توجت بها هذا العام العمانية جوخة الحارثى ومترجمتها الأمريكية مارلين بوث تشهد على أن تنائى المسافات فى المكان بين المؤلف والمترجم وهى مسافات قد تصل لآلاف وآلاف الأميال لا يحول دون التواصل الإبداعى بين المؤلف والمترجم، فمن الطريف والدال أن يذهب الشاعر والكاتب والمترجم الفرنسى جاك انسيه لحد القول بأن "على المترجم أن يكون أذكى بمعنى ما من الكاتب" وفى المقابل يؤكد المفكر والمنظر الألمانى والتر بنيامين على أن "المترجم يبقى مدينا للأصل".
وفيما فرضت الأمريكية مارلين بوث حضورها الكبير فى عالم الترجمة من العربية للإنجليزية بتتويج رواية جوخة الحارثى بجائزة مان بوكر الدولية هذا العام فإن الذاكرة الثقافية العربية لن تنسى على صعيد جهود الترجمة من العربية للإنجليزية اسم دينيس جونسون ديفيز الذى قضى فى الثانى والعشرين من مايو عام 2017.